صدرت الأوامر الملكية المباركة يوم الجمعة الماضية، لتقدم للمواطن عدداً من البرامج الموجهة لزيادة الرفاهية وتحسين الظروف المعيشية، ومعالجة عدد من القضايا الهامة والمزمنة مثل البطالة وتمويل الإسكان وتعزيز مستوى الخدمات الصحية في المملكة.
وتُقدر قيمة هذه البرامج بنحو 350 مليار ريال، يُضاف إليها نحو 135 مليار ريال أُعلن عنها قبل نهاية فبراير، ليكون المجموع نحو 500 مليار ريال. وبذلك تعادل تكلفة هذه البرامج نحو 30% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لعام 2010م، و 84% من حجم الإنفاق الحكومي المبرمج لعام 2011م.
ويظهر حجم هذه البرامج عمق الإرادة السياسية لتحسين مستوى معيشة المواطنين، خاصة محدودي الدخل، والعاطلين عن العمل، وبرامج الضمان الاجتماعي، وتعزيز أجهزة الرقابة والمتابعة. ومن الناحية المالية، فمن المتوقع ألا تكون هناك صعوبة في تمويل هذه البرامج نظراً إلى ثروة المملكة المتنامية، وإلى الارتفاع الكبير في أسعار النفط خلال عام 2011م.
إن التحدي الأكبر هو في وضع الآليات المناسبة لتنفيذ هذه الأوامر خلال وقت معقول، وهو ما أكد عليه، مثلاً، الأمر الملكي رقم 61، الخاص بإعانات الباحثين عن عمل، إذ وجه بسرعة تنفيذه، ثم أضاف: "ولن يقبل في هذا أي تسويف أو تأخير" وهي لغة قوية تتضمن تحذيراً واضحاً من التراخي في التنفيذ. ومن الواضح أن بعض هذه البرامج يمكن تنفيذها في الحال، مثل صرف راتب شهرين للموظفين الحكوميين، أما بعضها فمن المتوقع أن تتم جدولته على فترة زمنية، وأن يأخذ تصميم البرامج بعض الوقت. وسأتناول في الأسابيع القادمة مناقشة بعضها بالتفصيل، مثل برنامج الإسكان، وبرنامج إعانة الباحثين عن عمل، وبرنامج مكافحة الفساد، وكلها تحتاج إلى الكثير من النقاش والحوار لكي تؤتي أُكُلها طيباً، وتحقق الإرادة الملكية من وراء إصدارها.
أما اليوم فسأبدأ بموضوع لم يحظ بنصيبه من التحليل، وهو ما يتعلق من هذه الأوامر بالقطاع الصحي. وهناك برنامجان بهذا الشأن من ضمن ما نصت عليه الأوامرالملكية. البرنامج الأول تضمنه الأمر الملكي رقم أ/66 الذي نص على تخصيص 16 مليارريال لوزارة الصحة لتوسعة وتنفيذ عدد من المنشآت الصحية، منها:
1. في مدينة الملك فهد الطبية بالرياض: إنشاء مركزين للأورام، والقلب، ومركز وطني للعلوم العصبية، بما مجموعه (850) سريراً إضافياً، ومركز للأبحاث.
2. في مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة: إنشاء مراكز للقلب، وزراعة الأعضاء، والأورام، والعلوم العصبية، ومستشفى للنساء والولادة والأطفال، ومستشفى للعيون، ومستشفى تأهيلي، لتصبح السعة السريرية للمدينة (1500) سريرٍ، و (200) عيادة خارجية، ومختبر مركزي للأبحاث،
3. في مدينة الملك خالد الطبية بالمنطقة الشرقية: إنشاء مستشفى تخصصي بالدمام، ومستشفى الظهران التخصصي للعيون، ومركز زراعة الأعضاء والأورام، ومراكز للقلب، والعلوم العصبية، ومستشفى تأهيلي، بما مجموعه (1500) سرير، و(200) عيادة خارجية، ومركز للأبحاث.
4. في مدينة الملك فيصل الطبية لخدمة مناطق المملكة الجنوبية: إنشاء مستشفى تخصصي بأبها، ومراكز للقلب، والعلوم العصبية، والأورام، ومستشفى للعيون، ومستشفى تأهيلي، بما مجموعه (1350) سريراً، ومركز للأبحاث، و (200) عيادة خارجية.
5. في مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الطبية لخدمة مناطق المملكة الشمالية: مستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي بالجوف، وإنشاء مراكز للأورام، والقلب، والعلوم العصبية، ومستشفى للعيون، ومستشفى تأهيلي ليصبح إجماليها (1000) سرير، و (200) عيادة خارجية.
6. إنشاء مراكز للعناية المركزة في المدن الطبية والمستشفيات التخصصية في عدد من مدن المملكة.
7. استكمال منشآت في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض.
وهذه البرامج أصبحت ضرورية بعد أن ازداد الضغط على المستشفيات الحكومية، وصار من الصعب على المواطن الحصول على العناية بالسرعة المطلوبة. ولعلها بعد استكمالها تحقق هدفين ضرروريين، أولهما تحسين الأداء ومستوى العناية الطبية، والثاني تقصير فترات الانتظارالتي تصل حالياً إلى عدد من الشهور في بعض الحالات.
أما البرنامج الثاني في المجال الصحي فقد شمله الأمر الملكي رقم أ/67 الذي نص على رفع الحد الأعلى في برنامج " تمويل المستشفيات الخاصة " في وزارة المالية من خمسين مليون ريال إلى مئتي مليون ريال، ونص على "أن يُنفذ ذلك فوراً".
وقد تحدث الكثيرون عن وضع المستشفيات الخاصة، وأذكر على سبيل المثال خطبة لسماحة المفتي العام الماضي انتقد فيها بشدة تلك المنشآت ونصح بالأخذ على يدها لتستقيم، وكنت قد أشرتُ إلى ذلك في مقال في الوطن (سماحة المفتي والمستشفيات الخاصة، 2 مارس 2010) وتمنيت، كما تمنى سماحته، أن تكون تلك المنشآت عوناً للمريض لا للمرض.
ولعل زيادة نسبة الدعم للمستشفيات الخاصة يصحبها وضع معايير جديدة تحسن من أداء هذه المستشفيات الخاصة، وتلزمها كذلك بتقديم خدمات للمجتمع تتلاءم مع هذا السخاء.
ولعل المسؤولين عن هذا البرنامج ينظرون في وضع آلية جديدة تدعم إنشاء مستشفيات خيرية لا تهدف إلى الربح. وكما نعلم فإن معظم المستشفيات العريقة في العالم ليست في الحقيقة منشآت حكومية ولا هي تجارية، بل هي مستشفيات خيرية لا تهدف إلى الربح، ومن ذلك على سبيل المثال مايو كلينيك وعيادة كليفلاند وغيرهما. إذ إن من الضروري إيجاد منافسة للمستشفيات التجارية تدفعها إلى تحسين مستوى خدماتها.