يلعب الإعلام دورا مهما في توجيه الرأي العام وتكوينه، خاصة الجيل الجديد من الشباب والفتيات، الذين يعتمدون على القنوات الفضائية، والإنترنت، وما يقدم عبر هذه الأقنية من معلومات، في تكوينهم المعرفي، دون غربلة للصحيح منها من السقيم، ما يؤدي في بعض الحالات لأن يكون هذا "الجيل الجديد" أهدافا سهلة للتعبئة "المتشددة"، التي تغذيهم بأفكار متطرفة، تقودهم تاليا لأن يكونوا قنابل "إرهاب" مؤقتة، لا تعرف متى تنفجر، إلا أن يأتي أحد ويسحب منهم فتيل الانفجار. وقد تقودهم على المقلب الآخر، ليتطبعوا بسلوكيات مجتمعية أو فكرية، لا تتواءم وطبيعة الحياة السوية، وهنا تبرز "سطوة الصورة"، وقوتها في إحداث التغيير في المجتمعات الحديثة. فموقع إلكتروني مثل "Youtube"، وما يبثه من مقاطع مصورة على الرغم من صغر حجمها، إلا أنه يمتلك من التأثير في الرأي العام الشيء الكثير، مشكلا ثقافة "بديلة"، ينشد لها الشباب والفتيات، وباتت مصدرا أساسيا للأخبار والتسلية، وساحة للنقاش لهم أيضا.
أزمة الإعلام المباشر
الإعلام "المباشر"، يمر بأزمة، حيث "لا يمكنه أن يستحوذ عقول الناشئة، في ظل وجود الفكر التكفيري والفكر الهابط، بعيداً عن الوسطية التي نادى بها الإسلام"، فضلاً عن "الفهم الخاطئ للدين"، هذا ما يراه مدير إدارة التعاون الدولي، بـ"جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية"، الدكتور صقر بن محمد المقـيد، مبينا أن إحدى الدراسات البحثية، أبرزت أن "هناك ما يربو على 450 فضائية تبث بالعربية - العدد ارتفع لاحقا إلى أكثر من 700 فضائية- وهذه الفضائيات كثير منها متعثر ماديا"، وهي رغم ذلك تحظى بمشاهدة من الجمهور العربي، وخاصة البرامج الرياضية، مبينا ضرورة "توظيف الرياضة في الأمن الفكري، وكذلك توظيف القدوة، سواء أكانت هذه القدوة داعية، أم رياضياً، أم فناناً، أم مصلحاً اجتماعياً، وبذلك يمكن أن يتم تجسير الفجوة بين جيلين"، مبينا أنه "يميل إلى تسمية هذا الجيل بالجيل الإلكتروني، لذلك لابد من أن يكون الحل حلاً إلكترونياً، يتواءم وعقول وأفكار الشباب".
أدلجة العقول
الدكتور المقيد، يرى أن "الإعلام بشقيه التقليدي والإلكتروني، والذي ينشط في أوقات الأزمات، والتوظيف السلبي للأحداث التي تمر بها المنطقة العربية، كل ذلك كان رافداً خصباً لأدلجة عقول الشباب، إضافة إلى الفتاوى المضللة التي كثيراً ما تأتي من أنصاف المتعلمين، بحسب رأيه، مضيفا أن "الأهم من هذا وذاك، ضعف الجانب التوعوي، وقصور المحطات الإعلامية، فالفكر لا يجابه إلا بالفكر"، مشددا على أنه "يجب أن يؤخذ في الحسبان ما يسمى بالفكر الشبابي، في ظل الأسرة النووية، والفضاءات المتناثرة، وغياب دور الأسرة، ودور المسجد، ودور المدرسة، ودورة القدوة". معتبرا أنه "لا يمكن الحديث عن الأمن الفكري ونقيضه الانحراف الفكري بمعزل عن الأمن الإنساني، وهنا يكون الأمن الفكري جزءاً من كل".
استراتيجية إعلامية
ولكن، كيف يمكن تعزيز الإعلام "الإيجابي"، قبالة "سلبيات" المواد التي تبث عبر الفضائيات والإنترنت؟ أمين عام "جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية"، الدكتور عبد الرحمن الشاعر، يجيب على ذلك، بقوله إن "أنسب القوالب لعرض قضايا مواجهة الانحراف الفكري، في وسائل الإعلام العربية، هو اعتماد استراتيجيات إعلامية تعتمد على منطلقات واضحة، وأهداف محددة، وأساليب علمية، لمواجهة الانحراف الفكري، والتحصين ضد مسبباته". مضيفا أنه "لا شك في أن للإعلام دوراً فاعلاً في مواجهة الانحراف الفكري، إذا ما أراد ذلك، ولكن الواقع يجسد قصور الإعلام العربي في مواجهة الإعلام الغربي"، مشددا على أنه "ينبغي أن تنطلق هذه الاستراتيجيات، من إبراز أسباب الانحراف الفكري، وأن تدعو إلى وقفة مراجعة لأساليب التربية والتثقيف، وسرعة الاتصال والتواصل، في عصر الانفتاح الإعلامي الفضائي، الذي فتح للشباب أبواباً تركت آثارها السلبية على المبادئ والقيم العربية، بعد انتشار التقنية الحديثة، وإدمان الانترنت، ومن هنا فإن مواجهة الانحراف الفكري في هذا العصر قد غدت في مقدمة أولويات الإعلام العربي، من خلال التركيز على البرامج الموجهة للشباب، وملامسة حاجاتهم، باتباع الأساليب المناسبة لهم، في جميع وسائل الإعلام".
الاتصال بالجماهير
الشاعر، يرى أن "ما شهده العالم مؤخراً من أعمال العنف، وإراقة الدماء، ما هو إلا نماذج للانحراف الفكري. ومن هنا تأتي أهمية الاتصال الجماهيري، في مواجهة هذا الخطر الداهم، في ظل تقدم تقنية الاتصالات والمعلومات، وازدحام الفضاء بالأقمار الصناعية، التي تبث أفكارها وثقافاتها ومعلوماتها على مدار الساعة". من هنا، فإن الدكتور الشاعر يرى أن دور الاتصال الجماهيري "دور أساسي في مواجهة الانحراف الفكري، من خلال الحث على التربية الإيجابية، وزيادة الولاء، وتجلية المفاهيم المستحدثة، ومناقشتها مناقشة علمية موضوعية، بعيداً عن التعصب والسطحية، التي تزيد التخبط، والضياع في الهوية الثقافية للمتلقين، بعد أن غدت وسائل الإعلام ذات تأثير لا يقاوم، على سلوك وفكر وثقافة أبناء الأمة".
مواكبة المستجدات
وفي سبيل تعزيز استراتيجية واضحة في مواجهة الإعلام "المتطرف"، كما سلبيات الفضائيات، يشدد مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بـ"جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية"، الدكتور خالد الحرفش، على ضرورة "مواكبة المستجدات على الساحة الإعلامية، والاستعانة بأهل الخبرة، وإجراء المزيد من الدراسات في هذا المجال"، مضيفا أن "الجامعة تدرك أن الأسلوب الأمثل للنجاح في هذا المجال، هو العلم والمعرفة بهذه الإشكالات، وكيفية التعامل معها، وتحديد أبعادها، وفهم أدوار المؤسسات المجتمعية الأخرى، ومدى اعتمادها على مواجهة هذا الخطر الداهم"، مضيفا أنه إذا تم ذلك، فإن "الإعلام يستطيع تشجيع وتنمية روح المسؤولية المدنية، وتنمية روح المواطنة الصالحة، وتزويد الأفراد بها مما يغذي فيهم التحصين الديني والأخلاقي، كما وأن بالتـقليل من البرامج الإعلامية التي تحتوي مشاهد العنف غير المبرر، وغير الأخلاقي، والاستهتار بالقيم الدينية والاجتماعية، يتحقق التقليل من فرص ارتكاب الجرائم وتعلم أساليبها"، داعيا الأجهزة المختصة بالإعلام الأمني إلى "مزيد من الاهتمام بالجودة النوعية، ومقتضياتها العلمية والتقنية والإعلامية، لتطوير الإعلام الأمني في الدول العربية، وضرورة قيام المؤسسات الإعلامية الأمنية بتصحيح الصورة الذهنية عن رجل الأمن، من خلال الارتقاء بأدائها المهني، وإبراز جهودها في استتباب الأمن ومكافحة الجريمة، ودعم روح التعاون بين المواطن ورجل الأمن".