قال نائب مدير صندوق تنمية الموارد البشرية الدكتور عادل الصالح لصحيفة الوطن يوم الأربعاء قبل الماضي (إن بعض الموظفين السعوديين استغلوا قرار صرف الإعانة للعاطلين واستغنوا عن وظائفهم لنيل الإعانة)، لكن الدكتور لم يحدد نوعية وظائف هؤلاء الذين استغلوا الفرصة، كما أن مقدار الإعانة آنذاك لم يكن واضحا مثل اليوم، غير أن صديقا من رجال الأعمال أكد المعلومة وقال بعد أن اتضح إن الإعانة ـ كما أمر الملك حفظه الله ـ ألفا ريال شهريا فإن العاملين من السعوديين في وظائف مختلفة أبرزها حراس الأمن برواتب شهرية في حدود ألف أو ألف ومئتي ريال يجدون أن من حقهم هجر هذه الوظائف الهزيلة دخلا المرهقة عملا، ويتجهون إلى التسجيل في صفوف العاطلين للحصول على الإعانة، سيما وهم لا يتوقعون مطلقا أن تفرض عليهم بعد ذلك وظائف يقل راتبها عن الإعانة أو حتى يساويها، بل حتما سيكون أكثر.
وزارة العمل التي أعلنت عن برنامج (حافز) أمامها مشكلة كبرى ليس حيال هؤلاء فقط، وإنما حيال جميع العاطلين الذين قضى الأمر الملكي بدفع إعانة الألفي ريال لكل منهم، فليس من حقها حرمان هؤلاء الذين سيهجرون وظائفهم الهزيلة من الإعانة، كما ليس من حقها أن تفرض على أي عاطل وظيفة براتب أقل أو مساوٍ لمقدار الإعانة، ولا حل أمامها سوى تجاوز رفضها القديم لموضوع تحديد حد أدنى للأجور وتستجيب لمتطلبات الواقع إن أرادت علاجا جذريا للمشكلة، فالوزارة تعرف أن السوق لم ولن تتغير آلياته في هذا الجانب من تلقاء نفسها طالما أن باب الاستقدام مفتوح والعراقيل منصوبة أمام السعوديين، أما الآن وبعد أن أمر الملك حفظه الله بإعانة العاطلين بألفي ريال وتحديد حد أدنى للأجور في الوظائف الحكومية بثلاثة آلاف ريال، فلا بد أن تدرك الوزارة أن هذه الإعانة أفضل من وظائف كثيرة معروضة في القطاع الخاص أو مشغولة بشباب لم يجدوا بدا من قبولها على مضض، وإلا فمن هو الذي يستطيع أن يعيش اليوم على وظيفة بألف ومئتي ريال تستدعي دواما لا يقل عن عشر إلى اثنتي عشرة ساعة يوميا، هذا فضلا عن أن هناك من يقول إن شركات الحراسة الأمنية ـ مثلا ـ تتقاضى عن كل فرد ثلاثة آلاف ريال في العقود التي تبرمها مع الجهات التي تحتاج إلى حراس أمن، لكنها تصرف للشباب السعوديين الذين توظفهم ألفا ومئتي ريال وتربح من وراء كل واحد منهم ألفا وثمانمئة ريال ولا أحد يحاسبها ولا يردعها عن هذا الاستغلال، فهل من المعقول أن نلوم الشباب الذين يجري استغلالهم بهذه الصورة البشعة إذا استغلوا فرصة إعانة البطالة وأعتقوا أنفسهم من أسلوب السخرة هذا؟
إنني أعتقد أن تحديد حد أدنى للأجور في القطاعات الأهلية بما لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال، وأن يشمل المواطنين والمستقدمين من الخارج سيكون خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لحل مشكلة البطالة المتفاقمة، فهذا التحديد سيخدم في اتجاهين، فهو سيوظف المواطن وسيحد من الاستقدام، وحين نتأمل بواقعية سنجد أن فرض حد أدنى للأجور يشمل المواطن والمستقدم سنجده من أقوى وسائل السعودة إن لم يكن أقواها على الإطلاق، سيما وأن البطالة متفاقمة، فالإحصائيات تشير إلى نحو نصف مليون عاطل وعاطلة الآن، والرقم يتزايد بعشرات الآلاف سنويا، والإعانة لن تكون دائمة، ولهذا فما لم توجد حلول جذرية واقعية فإننا سنجد أنفسنا أمام معضلة بل كارثة بطالة خلال السنوات القادمة.