حين تطالع  عينيه لأول وهلة، قد تنخدع قليلا في هذا الشخص وتحسبه نموذجا للتفاؤل والمرح، ولكن ما إن تقترب من الروائي والمسرحي الهولندي العراقي الأصل إبراهيم سليمان أكثر حتى تدرك الحقيقة، إن سنوات عمره الثماني والخمسين ليست إلا تجسيدا لمأساة ومعاناة شعب بأكمله، بكل فصائله وتقسيماته والصراع التاريخي المتغلغل في الشعاب والوديان حتى الجبال.

عندما جاء لهولندا عام 1952 كلاجئ عراقي كردي، لم يأت فارا من مشكلة شعبه، بل حملها معه إلى هولندا، وإلى المسكن الذي آواه بالعاصمة أمستردام، فكانت قضية شعبه هي قلمه ومحبرته ومسرحياته وأفلامه، هي الأسر الذي لم ولن يستطيع الفكاك منه أبدا، لأنه أديب صنعته المأساة والحقيقة في العراق.

لفت نظر الهولنديين والعرب إليه بقوة عام 1980 عندما قدم عمله المسرحي "الخوف" وكانت أداء صولو منفرد في شكل مونولوج، جسد فيها جانبا من معاناة الأكراد، عبر الشخصية الرئيسية بالرواية وهى شاب كردي، يواجه نيران جندي إيراني بمدينة السلمانية، ثم قدم Tedere zielen وتعني بالعربية النفوس الناقصة. وقد أثارت أعماله اهتمام الإعلام، وأفسحت له بعدها مسارح هولندا المجال لعرض أعماله على خشبتها، كما سافرت أعماله للمغرب، وروسيا، وبريطانيا، وتركيا.

وأعماله تأتي غالبا في قالب الكوميديا السوداء، التي تجعلك تقف حائرا، هل تضحك من المفارقة، أم تبكي من المأساة؟ لكنها في النهاية مشاهد تخترق الشعور الإنساني، وتترك لديه بصمة وانطباعا ما، لا ينمحي بنزول الستار. يقول سليمان لـ"الوطن": إن سوء الفهم بين الآخرين ينشأ من خلال اللغة واختلاف العادات، ويرى كثيرون أن اللاجئ هو الرجل الذي يقف على الباب ويسأل أصحاب المنزل عن الـ "تنظيف جاف"، لذلك يساء فهم اللاجئين. ويعتقد الكثيرون أن هؤلاء اللاجئين أغبياء وجاءوا يحملون ثقافة معادية، وهذا خطأ كبير، فاللاجئ ليس غبيا ولا متسولا، وليس جافا كالتنظيف، إنه كيان يحمل مأساة قوة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس دون محاولات لتذويب هويته أو ثقافته، لأنه يضيف ولا يأخذ.

ومن أبرز أعمال إبراهيم المسرحية "صدام حسين وأنا"، وكانت أداء منفردا أيضا، لم يعرض من خلالها مساوئ صدام بصورة ساخرة فقط، بل كشف أيضا الغطرسة الأمريكية التي لا يمكن للأمريكيين الاستغناء عنها.

فيما تتربع على عرش أعماله السينمائية فيلم "ثلاثة أشكال لرجل الجبل"، والذي جاء في 4 أجزاء، ويعرض مأساة "الآيبو كردوا" عندما تم قصف حلبجة في 16 مارس 1988 بالأسلحة الكيميائية، وكان بطل الرواية خارج البلدة، ولكنه عاد ليجد القتل الجماعي وقد اخترق النسل والحرث والبلدة كلها، لكنه لم يفقد الأمل في العثور على ابنته الوحيدة.