يرى عبدالله حميد الدين أن التنمية تواجه تحديات كبيرة على مستويات متعددة، سواء من الظروف التاريخية التي نحن فيها، إلى طبيعة المصالح التي يجب إعادة صياغتها، إلى ترسخ عوامل التقهقر في مجتمعاتنا، إلى نقص في الموارد البشرية والقدرات الإبداعية، إلى محدودية المعرفة اللازمة للتنمية... إلخ.
ومع ضرورة التفكير في كل عنصر من عناصر التنمية، وأهمية معالجة ذلك إلا أن التفكير في التفكير يبقى الخطوة الأولى الأساسية. فكيف نفكر عندما نخطط للتنمية؟ ما هي العناصر التي نرى أن التفكير فيها حال التخطيط مهم؟ بل ما هي الخطوات العملية التي نتبعها عندما نقوم بوضع خطة تنموية.
وتكمن مشكلة التنمية – بحسب حميد الدين- في أنها عملية معقدة يتم تبسيطها، وجاء موضوع كتابه "الوسائط الاسترتيجية للتنمية" باحثا في بعض التعقيدات التي تواجه وضع إطار نظري فكري يحدد ماهية التنمية، وشكل النموذج الاجتماعي/ الاقتصادي/ السياسي المطلوب. وذلك من خلال مجموعة من المقالات كل واحدة حاولَت بشكل أو بآخر تقديم رؤية لمعالجة التنمية.
المقالة الأولى والأهم في نظر المؤلف جاءت بعنوان "الوسائط الاستراتيجية للتنمية" لتطرح فكرة أساسية وهي أن أي استراتيجية تتحرك ضمن وسائط غير ملموسة، وأن نجاح أي استراتيجية يعتمد على فاعلية هذه الوسائط، فالتنفيذ لا يتم في فراغ، ولا يتم من خلال أشخاص ومؤسسات وآليات فقط. هذه الوسائط هي الثقافة، وتجسير المعرفة بالتطبيق، والتعاطف الاجتماعي، والشبكات الاجتماعية.
وتحت عنوان "التنمية وأولوية العلوم الإنسانية" يتحدث المؤلف عن أهمية العلوم الإنسانية وخصوصا الاجتماعية على مسار التنمية، وهي علوم يتم إهمالها – كما يقول – بشكل متواصل.
وعلى صعيد "الدين والتنمية" يشير حميد الدين إلى العلاقة بينهما، وهي علاقة يبسطها البعض – بحسب المؤلف – رغبة في إضفاء بعض الشرعية على أهداف تنموية أو لأغراض أخرى.
وتحت عنوان "بنية ظاهرة التوظيف والبطالة" يحاول المؤلف وضع إطار عام انطلاقا من ضرورة التعامل مع الظاهرة كبنية، تلعب الثقافة فيها دورا كبيرا، معرجا على موضوع يعتبره في غاية الأهمية وهو "الاتصال المباشر والتنمية"، فالتنمية على مستوى التنفيذ تعتمد – كما يقول – على التفاوض مع أطراف متعددة ومتنوعة، والاتصال المباشر يعزز من فرص نجاح هذا التفاوض.
ويتناول المؤلف "مقومات العمل التطوعي ومؤسساته" كمثال لتطبيق فكرة "تفكيك" الهدف المراد تحقيقه، فيما يعتبر "ما قبل التنمية في مجال أوضاع المرأة" من حيث الأهمية بأهمية الوسائط، وغرضها بيان أهمية وضع أسئلة قبل الإجابة عليها عند التفكير في تنمية مساحات يستند العمل فيها على مواقف فكرية.
ويختتم حميد الدين كتابه صغير الحجم غزير المضمون الصادر عن "طوى للثقافة والنشر والإعلام – لندن" وقدم له إبراهيم البليهي، بالحديث عن "التكون الاجتماعي للانجذاب بين الرجل والمرأة" مبينا دور الثقافة مرة أخرى ولكن في موضوع يبدو للوهلة الأولى أنه بعيد عن تأثيرات الثقافة ومحصور في تأثيرات الطبيعة، فقد يكون مقبولا التحدث عن دور الثقافة في البطالة والحرية وحقوق الإنسان – كما يقول – ولكن أن يكون هناك دور للثقافة في أمور ذات أصول فيزيولوجية كالانجذاب بين الرجل والمرأة قد لا يكون مقبولا بالدرجة نفسها.