تؤثر الأوضاع السياسية على المزاج العام للمجتمعات، ولا سيما هذه الأيام التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط بمرحلة من التوتر الذي هو استمرار لما عُرف به لقرون طويلة، حتى إنه عبر تاريخه لم يكن قط منطقة هادئة؛ ولهذا يقدم مختلف المراقبين قراءاتهم للواقع السياسي في المنطقة الممتدة من تونس غرباً حتى البحرين شرقاً.
ربما تحصل خلال هذه المرحلة الكثير من المفاجآت، في ظل مؤشرات توحي بأن هذه المنطقة من العالم تتحول مع تقادم الزمن إلى بؤرة ساخنة جداً، وخاصة أنها بقيت صامتة لعقود طويلة وترقب حثيث لدولتين طامعتين في التوسع: إسرائيل وإيران.
إيران التي بدأت مشروعها الأيديولوجي التوسعي منذ سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي وقيام ثورة الخميني في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ما زالت تمثل خطراً على جيرانها من خلال تحركاتها السياسية وأطماعها الإقليمية، في ظل محاولاتها المستمرة لامتلاك السلاح النووي.
نتذكر قبل عامين تقريباً أن صحيفة إيرانية نشرت مقالة لسياسي إيراني يطالب فيها بضم البحرين لإيران باعتبار الأغلبية الشيعية للسكان فيها، عدا الجذور الجغرافية والاجتماعية والسياسية فيها، وكأن إيران تريد إعادة فكرة وذكريات (شرطي الخليج) إلى الخليج مرة أخرى! فهي لا تكل ولا تمل من تعليق طموحاتها العسكرية والسياسية على شماعة إسرائيل، على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية لم تستطع إقناع العالم بحسن نواياها تجاه دول المنطقة، بل إنها تحاول المساومة على قضية المواطنين المنتمين للمذهب الشيعي في بعض الدول العربية كنوع من الابتزاز السياسي.
أتمنى ألا تكون هناك خيارات عسكرية مطروحة على الطاولة الإيرانية هذه الأيام، لأن ذلك سيجر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، وقد لاحظنا في التصريحات الإيرانية الأخيرة لغة هادئة لكنها تحوي تصعيداً ضمنياً، وكأنها تبحث عن فرصة وجدتها لمواجهة ما، على الرغم من أن اللجوء للقوة يعد خياراً مطروحاً أيضاً!
إن مأزق السلطة الإيرانية في الداخل يدعوها إلى محاولة استثمار أي فرصة خارجية للفت نظر الشعب عن المشاكل الداخلية التي تعيشها إيران منذ 2009 إبان الثورة الخضراء التي حاول فيها الشباب الإيرانيون التحرر من ظلم الثورة لأبنائها، معتبرين أن الحرية قيمة إنسانية لا يمكن الاستغناء عنها؛ فالأجيال الإيرانية الجديدة اتخذت طريق التمرد على النظام نتيجة ظلم وقمع تعانيه. وسياسة إيران تميزت بالصدامية من جهتين: الداخل والخارج. القمع الداخلي والتصدير للثورة خارجياً وامتلاك السلاح النووي الذي يعتبره بعض المراقبين تجسيداً للفشل على المستوى الداخلي، حيث لم يستطع نظام الملالي حل المشكلات الداخلية، مما يجعل الشباب الإيراني يمر بمرحلة خطيرة من التحول خلقها الانغلاق السياسي والاجتماعي أمام رغبة المجتمع في التغيير ومحاولاته الخروج من عنق زجاجة الولي الفقيه، ولذلك يحاول النظام ألا تكون إيران دولة معزولة بعد أن خسرت معظم علاقاتها الخارجية التي بناها الإصلاحيون سابقاً، وخصوصاً العلاقات الإيرانية الخليجية التي تمر اليوم بأخطر أوقاتها في ظل التوتر الحاصل بعد أحداث البحرين الأخيرة، فالدول العربية ودول مجلس التعاون خاصة لن تحتمل عودة فكرة شرطي الخليج مرة أخرى لأنها شكل واضح للتهديد من جديد، إذ لم تحمل الثورة الإسلامية في إيران منذ قيامها بوادر إستراتيجية للحوار والتعاون والتعايش، وبالتالي ليس لديها مشروع دولة يستطيع الاستمرار والصمود، فالدولة الثيوقراطية تقوم على أسس هشة معتمدة على الأيديولوجيا للتحكم بمفاصل المجتمع، وبالتالي سوف يجد النظام نفسه بين مطرقة المجتمع الغاضب وسندان الحرب.. وكلاهما خسارة فادحة.