أسوأ ما يتعرض له العمل العام التطوعي، أن تترك في لوائحه ثغرات ينفذ منها القائمون على هذا العمل لتحقيق أغراض لا أساس لها إلاّ الأهواء الشخصية.. وما أدراك ما الأهواء.

الأهواء هي التي تجعل من المؤسسات العامة (دكاكين) خاصة، يبيع فيها صاحبها ما يروقه، ويمنع عنها ما لا يتفق مع توجهاته الشخصية، ويتنامى لديه الشعور بالوصاية على هذه المؤسسة أو تلك، فتصبح وكأنها ملك خاص يتصرف فيه صاحبه كيفما يشاء، لا كيفما يتفق والعمل المؤسسي العام الذي تحكمه لوائح ونظم واضحة لا يجوز التلاعب بها.

أقول هذا الكلام وأنا أتابع العديد من النقاشات الجادة حول لائحة الأندية الأدبية، واعتراض البعض على صياغة بعض بنودها، ومعهم كل الحق، إذ تحتوي اللائحة على ألفاظ فضفاضة تحتمل التفسير والتأويل حسب الهوى، كما تحتمل الحذف أو الإضافة، ومن ثم فسيكون لكل مجلس إدارة من إدارات الأندية الأدبية أن يصنع من اللائحة لائحة أخرى لا تتعارض مع اللائحة الأم، ولكنها ستكون حسب الهوى، وهنا مكمن الخطورة.

فالبنود التي ستفسر على الهوى بحيث تشكل فيما بعد بنوداً خاصة معترفاً بها، سوف تتبعها بنود أخرى ربما تضيف إليها أو تلغي منها مع تعدد المجالس فيما بعد، وربما تخلق نوعاً من عدم الانسجام بين الأعضاء حينما يوافق عدد منهم على تفسير ما، ولا يوافق عدد آخر على هذا التفسير، ويصير الانقسام الذي يؤدي بالضرورة إلى فشل العمل.

وقد تفسر اللائحة تفسيراً يحرم شخصاً ما من الانضمام إلى الجمعية العمومية، أو العكس، تبعاً لهوى المجلس، وهنا تأخذنا اللائحة إلى مآزق أخرى، وصفات ينبغي أن تبتعد عن مجال العمل العام الأدبي والثقافي بشكل خاص، كالمحاباة، والشللية، والمحسوبية، و... إلخ.

فكلمات من قبيل (الثقافة) في اللائحة نستطيع أن ندرج تحتها كل الشؤون الحياتية، وفجأة نجد النادي الأدبي وقد تحول إلى منتدى لـ(الطبخ) و(الحياكة) و(التمريض)! وكلمة (كتاب) لا تحدد بالضبط مضمون وشكل هذا الكتاب لكي يتمتع صاحبه بالعضوية، فتجد كل من جمّع كلمات أو مقالات أو أطروحات لا تمت للأدب بصلة، وقد صار عضواً في النادي، وكثير من الأمثلة على هذه الشاكلة.

إعادة تحرير اللائحة بما يحقق لها الوضوح وعدم إمكانية التلاعب في بنودها أو تفسيرها حسب الهوى، ضرورة ملحة، ولا أعتقد أنها ستستغرق أكثر من سويعات، وساعتها يستريح الجميع، وتهدأ النفوس الأمارة بالسوء، ويصبح الجميع ملتزمين بنظام واضح يسري على الكل، وينعدم من ثم طموح مجالس الإدارات في الهيمنة المطلقة، والتفسير حسب الهوى، والوصاية على الناس، ليتفرغوا فقط للعمل الجاد المنزه عن الهوى شاؤوا أم أبوا.