أكتب اليوم بعد أسبوع من عودتي من جيزان حيث حضرت افتتاح الموسم الثقافي الرابع لجامعة جازان أو درة الجامعات السعودية كما أسماها سيدي خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وهي اليوم كذلك فعلاً بفضل الدعم السخي والمستمر من الملك عبدالله والاهتمام الشخصي من قبل وزير التعليم العالي ثم الجهد الأكبر والقدرات الإدارية والأكاديمية لمعالي مديرها الدكتور محمد آل هيازع الذي أراه اليوم نعمة كبيرة على منطقة جازان فقد عمل عملاً جباراً وغير عادي تماماً شكلاً ومضموناً وفي وقت قياسي.. وأذكر أنني كنت في جيزان قبل شهر برفقة باحث أميركي وعالم كبير في شؤون النبات، حيث قضينا سبعة أيام نتجول في مزارع المنطقة رصد فيها مرافقي أهم التحديات التي تواجه التنمية الزراعية هناك ومخاطر المبيدات الزراعية وسوء وعشوائية استخدامها على الأشجار المصابة وتأثير كل ذلك على صحة الناس، فضلاً عن سلالات الحشرات التي تستهدف النباتات في الشريط الساحلي والمرتفعات الجبلية! المهم أنه في أحد الأيام تأخرت في النوم بفعل التعب والجولات اليومية المتعددة والمتباعدة ولم أستيقظ إلاّ متأخراً قليلاً عن الموعد المفترض. لم أجد باحثنا الكبير وقلقت عليه قليلاً خشية أن (يتوه) فهو لا يعرف المنطقة ولا يعرف أحداً فيها، لكنه فاجأني بعد قليل بطلة مختلفة إذ لاقاني في أحد ممرات الفندق الذي كنا نسكنه وهو يفيض بالدهشة المختلطة بالفرح، ثم أمطرني بوابل من الأسئلة الغريبة: هل أنت فعلاً من أبناء هذه المنطقة كما قلتَ لي؟ قلتُ له نعم. قال: أعتقد أنك صحفي وكاتب؟! قلت: لماذا تسألني هكذا وأنت تعرف الجواب؟ قال"استيقظت باكراً جداً هذا اليوم فأحببت التعرف على البلد، وقادتني السيارة إلى ساحل هذا البحر الجميل فأبصرت شيئاً ضخماً يُبنى هناك وعرفت أنه مشروع جامعة جازان. لا تتخيل ماذا يعني هذا المشروع. بلدكم بخير وهو في حالة نماء متسارع حسب ما شاهدته على امتداد طريقنا من ثول حتى وصلنا هنا وتوقفنا في أبها وزيارتنا إلى فيفا.. ما ألاحظه أنكم تركزون في أحاديثكم ومناقشاتكم وما أراه في صحفكم أن أغلب الرؤى تتناول الجانب المعتم فيما الجانب المضيء مغيبٌ تماماً أو يكاد يكون كذلك على الرغم من أنه الأكثر كثافة حجماً ونوعاً. مثل هذه الجامعة إنجاز عظيم وتستحق أن تعطى حقها وأن تسلط عليها الأضواء. هناك اهتمام كبير وغير مسبوق بالتعليم يقوم به الملك عبدالله، والبلد كما أرى يعيش نهضة ستلمسون آثارها قريباً. هذه الأشياء تستحق منكم بل من واجبكم كإعلاميين إبرازها وإشاعة روح التفاؤل بين الناس ليفكروا بشكل آخر أكثر واقعية وعقلانية ويساعدوا في نماء وطنهم بالمشاركة الإيجابية".

لا يعرف الدكتور الأميركي أنني كتبت عن هذه الجامعة قبل عام إلا قليلاً، هنا في هذا المكان، واصفاً مديرها بأنه أجمل هدايا الملك لجازان، وهو وصف لم أقله أنا بل قاله ولا يزال يقوله واقع الجامعة وإنجازاتها المتلاحقة في غضون سنوات قليلة جداً قياساً بجامعات بلغت من العمر عتياً، لكن أحد الصحفيين في جيزان، مع الأسف الشديد، صدمني وهو يعاتبني ويضم إليّ الزميل الدكتور عبدالرحيم الميرابي الذي كتب يومها عن تجربة مدير عام التربية والتعليم في جازان الأستاذ شجاع بن ذعار، وكان الصحفي المعاتِب يدعي أننا كنا غير أمينين مع جازان وأن المجتمع ناقم علينا! لماذا يا حضرة المتكلم باسم المجتمع؟ لم تكن إجابة بل أطلق رصاصة يهوّش بها حين أجاب: لأنكما تكتبان عن شخصين من خارج المنطقة حتى وإن كانا يتوليان مسؤولية مؤسستين في داخل المنطقة! يا للهول! يا لحماقة الفكرة وضررها الفادح إذا كان يوجد بيننا صحفي وينتمي للإعلام ويفكر بهذا المستوى المناطقي والعنصري البغيض! قلت له: اصح أيها الزميل واستيقظ من سبات الجهل والتعصب. هذا وطن واحد وكلنا أبناؤه، انظر إلى مواطنين من منطقتك يتواجدون في الرياض وجدة وكل مكان يديرون مؤسسات عريقة، وأهلاً بأهل عسير وأهل نجد في جيزان، هي بلدهم مثلما هي الرياض ومكة وتبوك والقطيف بلدنا أيضاً! ولعلي هنا أشير إلى اعتقاد الناس بأن كل جامعة تقع في منطقة معينة هي تخص هذه المنطقة وتكون مقصورة على أهاليها، وهو اعتقاد خاطىء وغير منطقي تماماً!

لقد غيرت الجامعة وجه المنطقة وفجرت طاقات شبابها الذين ينتمون إليها.. ولأن مديرها قائد ناجح فقد آمن بالشباب وبحماسهم وبقدرتهم على صناعة واقع أجمل فاجتذبهم وشجعهم على إخراج أفضل ما عندهم. وأجمل ما في معالي المدير أنه رجل رائع لا ينظر لتوافه الأمور، ويعجبني فيه أنه يسلم على الصغير والكبير دون تكلف سواء بسواء، متخلصاً من كل الشكليات. إنه لا يلتفت للخلف بل ينظر إلى الأمام دائماً، لأن لديه هدفا يريد أن يحققه للمؤسسة التي يديرها بفن وتمكن، فهو مهتم بالشأن الأكاديمي وبسمعة الجامعة على المستوى العالمي، يحب الأداء السريع والمرونة في العمل وتوجيهاته دقيقة ومحددة، ولهذا بلغ مشروع تشييد وبناء الجامعة مرحلة متقدمة وفريدة من نوعها كما كان الباحث الأميركي مبهوراً بذلك، على الرغم من أن مدير الجامعة ينتمي إلى بيئة بيروقراطية لكنه نجح في التحدي وكسر كل العقبات البيروقراطية بحبه للعمل وبالنوايا المخلصة والأهداف الجادة التي يريد تحقيقها للجامعة.. فماذا لو لم يكن منتميا لبيئة بيروقراطية.. كيف سيكون الإنجاز؟.. كم سيتعب الذين سيأتون بعدك يا معالي المدير!

تستحق جامعة جازان أن تتسيد المشهد الإعلامي اليوم، وهي تسابق الزمن، على الرغم من حداثة سنها (أقل من ست سنوات)، لتكون عما قريب في طليعة الجامعات السعودية واسماً معروفاً عالمياً، بعد أن أدخلها الدكتور محمد آل هيازع بكل ثقة وقوة إلى العصر عندما وقع عددا من الاتفاقيات مع جامعات عالمية مرموقة في أميركا وأوروبا وأستراليا واليابان لتدريب وابتعاث طلاب وطالبات الجامعة في تخصصات جديدة، كما أنه لم يحصر الجامعة في الشأن الدراسي الأكاديمي بل فتح الباب واسعاً للبحث العلمي ليسهم في تنمية جديدة في البلد والمنطقة واجهة التحديات، وهو ما سأخصص له مقالاً مستقلاً في وقت لاحق.