قبل أيام نشرت المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة عسير إعلانا مدفوع الثمن في عدد من الصحف المحلية، وقد تضمن الإعلان جدولا أوضحت فيه المديرية مواعيد وأوقات مقابلة المراجعين لمسؤولي القطاع الصحي بالمنطقة ابتداء من المدير العام مرورا بمساعديه وانتهاء بمديري المستشفيات والمدراء المناوبين، وقد تضمن الإعلان الأرقام الهاتفية للمسؤولين وساعات استقبالهم للمراجعين. والواقع أن هذا الإعلان يثير تساؤلات عديدة عن العقلية والرؤية والمنهجية التي يدار بها القطاع العام، فالمديرية بهذا الإعلان تريد أن توضح مدى احترامها للمواطن وحرصها على خدمته، كما يُفهم من الإعلان أن المديرية تعتبر هذا الأسلوب أو المنهجية جزءا من التطوير الإداري الذي سيخدم المواطن ويساعد في تحسين الخدمات الطبية في المنطقة.

وابتداءً لابد من تقدير الدوافع النبيلة وراء هذه الفكرة، فهي كما يبدو نابعة من حماس وطني ورغبة في التطوير وتحسين الأداء واحترام المواطن، لكن علينا ألاّ ننظر إلى هذه الخطوة بأكثر من كونها اجتهادا إداريا خاطئا يستحق أجر الاجتهاد، لكنه يحتاج إلى المساءلة والتحليل والرفض، فهذا الأسلوب أو المنهجية الإدارية تفترض أن الأصل في التنظيم الإداري للمديرية وقطاعاتها هو أن المراجع يحتاج إلى مقابلة المسؤول بشكل مستمر، ودائم وذلك لحل ومعالجة المشاكل والصعوبات التي تواجهه وتحرمه من الحصول على الخدمات الطبية كاملة غير منقوصة، كما أن هذه المنهجية تتعامل أيضا مع العاملين على اعتبار أنهم لا يقومون بأداء مهامهم ومسؤولياتهم على الوجه المطلوب.

والواقع أن هذا المفهوم للعمل الإداري هو أساس الخلل ومناط التقصير وربما يكون السبب الرئيس في تزايد حالات التقصير والإهمال والشكاوى، فالتنظيم الإداري الناجح والرؤية أو المنهجية الإدارية الناجحة هي التي تقوم على أن المراجع سيحصل على الخدمة المطلوبة كاملة وبيسر وسهولة دون الحاجة إلى مقابلة أي مسؤول في الهرم الإداري، بل إن من المفترض أن تكون علاقة المسؤول في أي قطاع محصورة بالعاملين معه ولا علاقة له بالمراجعين، فالمسؤول مديرًا كان أو خلافه ما هو إلا موظف يؤدي مهام وواجبات وظيفية محددة، وليس له الحق في خرق الأنظمة أو تجاوز التعليمات. صحيح أنه وبحكم مهامه الوظيفية يملك صلاحيات تفوق تلك التي يملكها الموظف التنفيذي، إلا أن هذه الصلاحيات ينبغي ألا تتجاوز الصلاحيات الإدارية والمالية المتعلقة بتسيير العمل وخلافه، ولا يجوز أن يكون لهذه الصلاحيات علاقة بالخدمة المقدمة للمواطن، فحصول المواطن/المواطنة على الخدمة سواء في القطاع الصحي أو التعليمي أو غيره هو استحقاق وطني لا مشاحة فيه ولا منّة، وأي استثناءات سواء في نوع أو سرعة أو مستوى الخدمة التي يحصل عليها مواطن في أي مكان من مسؤول إنما تعكس في النهاية خللا في التنظيمات الإدارية القائمة وتعطيلاً لمصالح مواطنين آخرين، وثغرة ينفذ من خلالها المسؤول لتحقيق مصالحه الشخصية، فالمفروض أن المسؤول لا يملك فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للمواطن أكثر مما يملكه الموظف المباشر للخدمة، وإذا كان الأمر خلاف ذلك فإنما يعكس حالة فساد إداري راسخ، وفي أحسن الأحوال ارتباكا وتخبطا إداريا وتنظيميا.

إن لجوء وسعي المواطن لمقابلة المسؤول بهدف الحصول على خدمة عامة وفرتها الدولة للمواطنين، إنما يعبر عن خلل وضعف وسوء في الأداء الإداري لهذا القطاع أو ذاك، ومعظم المشاكل التي يواجهها المواطن في القطاع الطبي تتركز في إهمال وتقصير العاملين أو في نقص التموين الدوائي أو في محدودية الطاقة الاستيعابية للمرفق الصحي، وهي مشاكل تؤدي مجتمعة إلى تدني وضعف مستوى الخدمة الطبية المقدمة للمواطن.

إن ظاهرة سعي المواطن إلى مقابلة المسؤول للحصول على حقوقه التي كفلتها له الدولة، تعود إلى أسباب إدارية تنظيمية بحتة يلجأ بعض المسؤولين إلى ترسيخها لتحقيق مصالح شخصية، في حين أنه يسهل حلها بقليل من التنظيم الإداري المتاح.