منطقةٌ ذاتُ ظلّ كثيف، تكاد العتمة تمسح ملامح الواقف بها؛ فلا يَعرف أحدٌ من هي ولا ما هي عليه. منطقةٌ تغري بالمكوث فيها والاختفاء؛ فلا عينٌ ترى ولا يدٌ تشير.

منطقةٌ هائمةٌ تتنعّم في غفليّتها؛ تعطي إشاراتٍ مخاتلة عندما تجدّ محاولة الرّصد لذلك الساكن، طواياها، المعتزّ بمجهوليّته واستعصائه على الإظهار والتبيين؛ هاربا؛ متلوّنا؛ ذائباً في قبضة السراب.

أحسب أن منطقةً كهذه وأن ساكنا مثل هذا، لا يمكن أن يتوفّرا على فسحةٍ يُراقُ فيها ضوء الوضوح المباشر؛ المصبوب رأسيّا وتتلاشى معه امتدادات الظلال بما هي وضعٌ آخر يرمي خيالا،ً وهيئة ينصرف إليها البصر، وتأخذه ولو قليلاً عمّا هو مرمًى حقيقيٌّ وواقعي.

في دخانٍ...

في ستارٍ...

في مجالٍ يزوغُ معه التحديد، وتنهض أسباب الخلط وتتلوّن الذرائع بما يحتمل الموقف وما لا يحتمل؛ فيصبح الدخان ملاذا تنحلّ فيه الملامح إلى عديدٍ غير متشابهٍ ولا متلاحم، ويغدو الستار دريئةً، وإن تكن هشّة، يُنجَز خلفها شيءٌ آخر لا يطابق الحقيقة ولا يضاهي الواقع.

لك أن تسمّيها لعبة الابتلاع التي تولّد كل مرة بقعةً عائمةً، تنضح بالزيف؛ يفضحها التشكّل والتقلّب، لا إلى جهةٍ ولا إلى مرفأ. وجودٌ عالقٌ في الأقنعة وفي سحنة التبديل، كلّما هبّتْ ريحٌ وانحنَى شراعٌ وتغيّرت زاوية.

ورغم المشهديّة الغارقة في التلوّن والتقلب والسرعة الخاطفة في اكتساء لبوس الحال الجديدة سواءً أكانت مطلوبة أو تستدعي الرضا عنها، ورغم إبداء التمام البرقي والاصطفاف اللحظي إزاء هاجس خارجي يحرّكه حاجب الخوف مرة أو طلب رفّة القبول من عين الرضا تارةً أخرى؛ إلا أنّ المحصّلة النهائية هي الثبات في نطاقٍ بعيدٍ عن الذات، بما أن هذا الثابت ما هو إلا قالب، قد يكبر أو قد يصغر أو قد يتموّه، سوى أن إفرازه لنمطيّة محددة لا تتبدّل ولا تتغيّر، شأنَ الذئب ـ في الأسطورة المشهورة ـ الذي التهم الجدّة وتنكرّ في سريرها وكشفته أنيابه.

إن النمطيّة أنيابٌ مشهرة لا يصحّ معها خداعٌ ولا تمويه. ثمة لحظةٌ قادمة كاشفة. فدائما ما تكون الأقنعة، كما يقول كارلوس فونتيس، هشّة.

أن تجرب قالباً غير مناسب فتستبدله، خير من ألا تجرب شيئاً على الإطلاق.ويبقى بالتأكيد أناس يستهويهم الوقوع على ذبذباتهم الأصيلة ويصرون على إيجاد ذواتهم مهما كلفهم الأمر. لا ينقادون لنمطية قاتلة ومعياريّة تحجز شخصياتهم الحقيقية وأصواتهم الداخلية التي تقول ذواتهم بلا تزييف ودون مسعى إلى نفعيّة وقتيّة تخضع للعابر الهش الزائل.