يعاني قطاع الإعلام، وتحديدا الإعلام المرئي والمسموع، من قصور ملحوظ في خدمة قضايا المجتمع والفرد على المستوى الفكري لا الخدمي بسبب غياب الفكر الإعلامي الصحيح، فما زلنا غير قادرين على استيعاب فلسفته وبنيته الرئيسية، ومن هنا جاء التعثر ، ليس بسبب الإمكانات المادية، فالإعلام العربي يقوم على عنصرين رئيسيين وبناء عليهما يتحدد نجاح المؤسسة الإعلامية من عدمه، هما المتعة والسبق الإعلامي. وأنا أتحدث هنا عن البنية أو الفلسفة الإعلامية لا الأخطاء ذات الطابع الأخلاقي التي تتم دائما بسبب الحرص على المتعة أو السبق، فحينما يتردد في نقد الإعلام المتعة والسبق فالناقد يقصد الابتذال في المتعة لا أصلها أو التضليل أو الكذب بسبب الحرص على السبق لا السبق نفسه، فحتى النقد خاطئ لأنه ذو بعد أخلاقي لا غير ولا ينقد بنية العمل الإعلامي وهدفه إلا في النادر، فالثقافة الإعلامية المجتمعية مختلة إلى حد كبير مع أن مقولة الإعلام سلطة رابعة تنبئنا عن البنية الرئيسية له والتي لم تصبح ماثلة بعد، وهذا هو ما جعل الإعلام ضعيفا في تبنيه للدور المناط به، وفي حال أن تم القيام به على الوجه الأكمل فإنه يكون محققا لتلك المقولة، فالسلطة لا تكون في المتعة والسبق.
الإعلام وفق تلك النظرة الرتيبة لا يمكن اعتباره إلا ترفيها إذا نظرنا له كمتعة أو بريد أو وسيلة اتصال سريعة بالعالم إذا نظرنا له كسبق، والإعلام الحقيقي ليس ترفيها ولا وسيلة اتصال وإنما أداة تقوم على بث الوعي والفكر الحقيقي وإصلاح المفاهيم المختلة وخاصة لدى شعوب ناشئة فكريا، فيجب ألا تترك للزمن لينضجها وإنما لابد من التدخل الإعلامي، فالبرامج الثقافية ضعيفة وهشة وقليلة ومثلها البرامج الحوارية التي تدعم الحوار وكذلك البرامج التنموية، وإذا وجد شيء من البرامج المنشودة فإنها تدور حول إزالة سلبيات طارئة وسلوكيات خاطئة، أي إرجاع الشيء كما كان كفكرة إصلاح العطل في الأجهزة لا غير ولا تقوم على تغيير وتبديل المفاهيم القديمة بمفاهيم حديثة.
الإعلام كونه سلطة رابعة لم يتحقق في بلداننا العربية وبالذات الخليجية إلا على الصعيد الرياضي فقط، فقد أحدث الإعلام الرياضي ما هو متوقع منه كإعلام على الأندية وعلى القرارات الرياضية وغيرها سواء بالسلب أو الإيجاب، لأننا نتحدث هنا عن قوة التأثير، وأما بقية المجالات فتأثيره أقل بكثير، فهناك شيء من التأثير في المجال السياسي ولكنه قليل، وأما بقية المجالات فيكاد يكون معدوما. والعجيب أن يصبح المجال الرياضي من أفضل المجالات التي يظهر بها العمل الإعلامي الحقيقي، فقد أصبح وسيلة ضغط تؤثر في القرارات الرياضية، فما من إخفاق للاعب أو نجاح إلا ويذكر الإعلام الرياضي كسبب، وهذه نسمعها دائما في أدبيات الرياضيين ولا نسمعها في المجالات الأخرى، مع أن الإعلام الرياضي هو ما يجب أن يكون قائما على المتعة، لأن الرياضة متعة للمشاهد وعلى السبق، لأن به نتائج مباريات ومسابقات ولكنه تجاوز ذلك ليصبح سلطة رياضية إن صح التعبير، وعلينا ألا نتعجب من وصوله إلى هذه المرتبة إذا علمنا أن دول الخليج فقط لديها ما يقارب ثلاثين محطة فضائية رياضية ما بين مفتوحة ومشفرة، ناهيك عن الساعات الرياضية في القنوات العامة والإخبارية، فإذا كان كل هذا الزخم الهائل من التسليط الإعلامي فمن الطبيعي أن تدخل في صناعة القرار الرياضي، وإذا كان هناك غياب لمثل ذلك العدد أو نصفه أو ربعه في مجالاتنا الحيوية فلا عجب أيضا أن نجد مشاكلنا وسلبياتنا ومعاناتنا ما زالت باقية ولا عجب أن نشتكي من غياب الوعي المجتمعي والقيمي لدى الفرد طالما أنه لا توجد قناة تخدم قضايا الناس وإن وجدت فإنها تنتكس إلى المتعة والسبق، فتأتي بما يدغدغ عواطف الناس من برامج فلكلورية وشعبية والغاز وأشعار ومسابقات ميتة، وخاصة قنوات الـ "إف إم" الإذاعية والتي وللأسف تعتبر من أسوأ القنوات في نشر أي فكر تنويري رغم أن أصحابها وملاكها يحسبون على الليبراليين، بل إن القنوات الراديكالية ساهمت في نشر فكر تنويري رغم أنه مصادم لتوجهاتها أكثر من تلك القنوات الإذاعية، حيث تحولت هذه القنوات إلى سنترالات تستقبل اتصالات المستمعين لنستمع لإهداءاتهم الشخصية إضافة للألغاز الباهتة والتحديات الهزلية. فهل هذه قنوات يمكن أن تصنف ليبرالية أو تنويرية؟ عموما لا حاجة لعرض الطرق المناسبة للتأثير، فهي موجودة في الإعلام الرياضي وما على الإعلام التنويري إلا محاكاته في حجم التغطية وطريقتها، ومحاكاته في الحوارات والساعات المطولة التي بها واللغة البسيطة التي تستخدم، فهي نموذج ناجح في التأثير.