تمكن الشباب العربي في مصر وتونس بنزولهم إلى الشارع من التغيير وصناعة ثورة عصرية ذات بعد معلوماتي من غيرأن يعرفوا ماذا قال هيجل، وكيف فكر دريد أو نيتشه. ولا يدري معظمهم ما إذا كان رولان بارت مفكرا أو لاعب كرة سلة. وأغلبهم أيضا لا يعرف تاريخ الثورات من سبارتاكوس إلى جيفارا وربما فيهم من سمع عن شيء اسمه الثورة الفرنسية.
الثوار في ليبيا لا يختلف وضعهم عن شباب مصر وتونس، والقاسم المشترك بين الجميع هو أنهم واقعيون تعاملوا بحسب ثقافتهم مع المعطيات التي يعيشونها للبحث عن مستقبل أفضل، فشكلوا بنشر أفكارهم عبر الفيس بوك وتويتر نخباً مجتمعية جديدة قادرة على التغيير وفعلوا ما لم تتمكن النخب الثقافية الكلاسيكية من فعله بمقالاتها وبياناتها، وحققوا بإنجازهم الإصلاحي في فترة زمنية قصيرة ما سعى إلى تحقيقه المثقفون المعارضون لتلك الأنظمة من الداخل أو الخارج. وربما تكون نتائج الثورات المفاجئة للنخب الثقافية سببا في إنشاء حسابات جديدة على الفيس بوك وتويتر لعدد كبير من المثقفين الذين كانوا غائبين عن الإعلام الجديد ولم يتعاملوا مع وسائله.
من هنا نجد أن التغيير لم يطل الأنظمة وحدها، بل تخطاها إلى مفاهيم أخرى، فصار جيل الشباب يقوم بالدور الطليعي للنخب، وصار المثقفون تابعين له بعد أن كانوا يظنون أنهم متبوعون من قبله. أي أن النخب التقليدية التي هيمنت على الساحة الفكرية والإعلامية ربما أصبحت متأخرة عن ركب النخب الجديدة. مما يعني أن النخب الثقافية باتت تعيش فترة أزمة لأن البساط انسحب من تحتها. وبعد أن كانت تعتقد أنها طليعية، اصطدمت بالواقع الذي يقول إنها لم تعد كذلك، فأفكار الديمقراطية والحريات بأنواعها والمساواة والعدل ليست اليوم محصورة في المفكرين، بل إنها باتت مصطلحات يتحدث بها كل لسان في الشارع العربي. ولم يعد التخويف من الحرب الأهلية ومن الحركات الدينية أو الفوضى يعرقل طموحات النخب الجديدة في مسارات التغيير، أو يوقف كتاباتها الكثيرة في وسائل الإعلام الجديدة التي اكتشف الشباب مدى تأثيرها فاستمروا يرسمون أحلامهم على صفحاتها، وتركوا الكتابة في الصحف والمجلات للنخب القديمة. وهذه الأخيرة يفترض بها أن تطورأدواتها وأساليبها التعبيرية للوصول إلى النخب الجديدة، ومن المنطقي أن تنتج عن تمازجها رؤية أكثر وعيا لما يجب أن يكون.