هل جربتم ألم وحرقة اليتيم؟ إن عدم معرفة ما حدث أو كيف مات الأب أو الأم إحساس قاتل يأكل الإنسان من الداخل، كل يوم ألف سؤال وسؤال، من كان السبب، لماذا لم يتحرك أحد للبحث عن الحقيقة، بل أين هي الحقيقة بعد مرور كل هذه السنين؟ إلهي لقد قدرت لي ألا أعلم تفاصيل موت أبي، ولكن أعطيتني القوة والقدرة على ألا أصمت حين يعترض طريقي أمر مشابه، ألا أصمت وأجرد قلمي وأطلقه في وجه كل من تسول له نفسه في أن يتعدى على حق من حقوق الطفولة، طفولتي سرقت ولكن لن أقف صامته وأنا أراها تنتهك عند غيري!
"انتقل إلى رحمة الله الكابتن خالد مطر، الموظف في إحدى شركات الطيران السعودية، في الدمام نتيجة ذبحة صدرية ألمت به"، إلى هنا والخبر –بتصرف- يمر علينا وفق قضاء الله وقدره، ولكن ماذا عن الأحداث التي صاحبت هذا الموت المفاجئ لرجل في ربيع العمر، أب لأربعة أولاد والخامس ينتظر دخول الدنيا، أي حمل سيحمله هؤلاء الأيتام إن تركنا ما حدث لآبائهم يمر دون التدقيق والمحاسبة في حال ثبت أي تقصير! من منا مستعد أن يقف أمامهم ويقول: "أعتذر، ولكن الأمر لم يكن يعنيني"؟!
ولكن الأمر يعنينا جميعا، بل هو طوق حق من رب العزة، أمانة يجب أن يؤديها كل من لديه القدرة على السؤال والبحث، على المطالبة، على المحاسبة، على إظهار الحقيقة جلية كما حدثت لا كما يراد لها أن تحدث من بعض ضعاف الأنفس أن تظهر كي يحموا التقصير الذي حدث، وأي تقصير! خاصة من جهات فرض عليها تحت ولاء القسم وإن هم نسوا أذكرهم: "لن أدع اعتبارات الدين أو الجنسية أو العرق أو التوجة السياسي أو المكانة الاجتماعية أو السن أو المرض أو الإعاقة أو الجنس أو أي أمر آخر تتدخل بين تأدية واجبي ومريضي"، بالله عليكم كيف يرفض استقبال الكابتن خالد مطر في المستشفى الأول الذي نقل إليه لأن الشركة، حسب ما ذكرته صحيفة "عرب نيوز" لم تقم بدفع المتأخرات عليها؟! بل إن المشفى الثاني كان قد رفض أيضا لولا أن إدراة الفندق الذي كان قد نزل فيه تعهدت بدفع الفاتورة! أعلم أن بعضكم هنا سوف يقول ما ذنب الأطباء إن كانت إدارة المشفى رفضت الاستقبال؟ لأنني لا أظن أنها الحالة الأولى طالما تمت بكل جرأة، هذا يعني أنها تمت من قبل وعدة مرات، وعليه فإن الأطباء ممن يعملون في هذه المشافي يشاركون في المسؤولية إداراتهم لسكوتهم عما يكسر قسمهم، وإن كان قسم "أبقراط" لا يعني لهم شيئا فماذا عن قسم أدوه لرب العالمين؟ ماذا؟! هل تتوقعون مني هنا أن أشرح ما معنى الشهادتين وكل ما ينطوي على ترديدهما يوميا وعدة مرات...سبحانك ربي أنت العالم بعبيدك!
كيف سنقف أمام الأيتام ونواجههم ونحن قد وصلنا أنه قبل صعوده إلى الطائرة قرر مواجهة أحد المسؤولين في العمليات للاعتراض على أمور عدة منها، خسف الرواتب من جراء تمديد وقت العمل بحيث لا يتم لأي منهم وقت إضافي يؤجر عليه، وغيرها الكثير من المميزات التي حرم منها طيارو الشركة خاصة الشباب منهم، نعم احتد النقاش، نعم قد يكون خرج عن حدود السيطرة على النفس، ولكن هذا لا يعني أن يتم "تهديد الكابتن بأن ما قاله يمس أمن الدولة"! وهل حين يطالب المرء بحقوقه وبرفع الظلم يقارن ما بين أمن وظيفته بأمن الدولة؟! وهل حين يكره المرء أمرا واعتقد بأنه غير عادل يعتبر أنه يكره وطنه؟! بالله عليكم بأي تركيبة عقلية كان ذاك المسؤول يقدر ويحكم! ولكن من أجل الموضوعية ومن أجل ألا نظلم أحدا، يجب أن يتم التحقيق في تلك الحادثة مع استدعاء الشهود من زملاء الكابتن وآخرين ممن تم التعامل معهم بفوقية وخارج حدود مسؤوليات العمل كالتعدي على حقوقهم كموظفين في مؤسسة مرموقة، التحقيق يجب أن يشمل الجميع وعلى كل المستويات من أجل أن يجرى مسح على الحالة التي يعاني منها موظفو شركة الطيران تلك، لا نريد أن نخسر المزيد من مراقبي أبراج، إلى فنيين، إلى مضيفين، إلى موظفين على كونترات قطع التذاكر، أي ألا يستثنى أحد!
كل مواطن له مطلب أساسي، العدالة في حالات الظلم، سواء كانت مالية، قتل، اغتصاب، سرقة، اتهامات باطلة، تزوير، تدمير للممتلكات..إلخ، ما يريده هو أجوبة سريعة عن مرتكبي هذه الجرائم، والمذنب يجب أن يدفع الثمن، فالله سبحانه وتعالى كما أمرنا بالعدل طبعه في ضمائرنا، لأن حياتنا مقدسة، بيوتنا مقدسة، عائلاتنا مقدسة، إيماننا مقدس، ومشاعرنا مقدسة ومن يتعدى عليها يتعدى بالتالي على حق من حقوق الله!
إن الدم الذي على قميص الكابتن خالد، يدفعنا دفعا كي نبحث للأيتام عن حق أبيهم، أن نسعى، ولا ننتظر أن تأتي إلينا الحقائق، بل يجب أن نبحث عن السبل التي ضمن مقدراتنا وإمكاناتنا من أجل إظهار الحق.. يجب أن نعرف ما إن كان موت الكابتن خالد، إهمالا أم جريمة!..
باسم العدالة باسم الإنسانية، باسم من يُتم وباسم من لم ير النور بعد ، لنبحث.. لنبحث!