حضرت الأيديولوجيا في الأعمال الإبداعية بشكل كبير منذ بزوغ نجم الواقعية الاشتراكية، حيث كان الأدب والفن من أهم وسائل نشر الفكر الاشتراكي على المستوى العالمي، ولكن لم تفقد الأعمال الإبداعية الأسس والجمالية التي تجعل منها مادة مقبولة بل ومدهشة للقارئ أو المتذوق للعمل الفني.

إذن فالأيديولوجيا مكون مهم من مكونات الكثير من الأعمال الإبداعية، وطريقة توظيفها هي المؤشر الحقيقي على أن الكاتب أو الفنان مبدع ، أو مدع ومتسلق لجدار الإبداع لهدف الشهرة والبحث عن أضواء ليست له. وفي إطارنا المحلي كشف معرض الرياض الدولي الذي اختتم بطوفان مائي قد يشير إلى فساد ما عن أعمال سماها أصحابها مجازا أعمالا "أدبية" وخصوصا تلك التي كُتب على غلافها كلمة "رواية" ، مع أن كل ما فيها خطابات أيديولوجية إنشائية تشعرك أنك في حصة تعبير ثالث متوسط على الأكثر. فأحدهم يستغل جدلا فكريا أشبه بـ"الحزبي" فيكتب ما يعتقد أنها "رواية" ، وبالطبع فتلك "الرواية" عبارة عن خط واحد من الجمل الإنشائية التقريرية ، التي توزع التهم وتصنف الأبطال وتنتصر لهذا البطل على حساب الآخر، وكله على "كيف الكاتب" وحسب توجهه الأيديولوجي.

ولأنه بعيد عن الإبداع جملة وتفصيلا،لا يستطيع ترك أبطال الرواية يتحركون ويتجادلون فكريا كما هم على أرض الواقع ، بل ينتصب "الكاتب" في خندق مواجه لأحد الأبطال أو بعض منهم ، ليصفي حسابه معهم على الورق، وكأنه في معركة وليس" كاتب رواية". وفي الجانب الآخر يستجدي كاتب صحفي تحول فجأة إلى"روائي" القراء بمشاهد جنسية مقززة، لا تضيف للعمل أي بعد فني، بل يتضح أنها أتت لتغطية الهزال الفني في العمل، من خلال الاعتقاد بأن إيراد هذه المشاهد وبذلك الأسلوب، سيعطي مشروعية فنية لما كتب على غلافه "رواية". الغريب أن مثل هذه الأعمال يسبقها تسخين دعائي من قبل الأتباع والمريدين لهذا النموذج أو ذاك، وكأن ما كتباه فتح عظيم وانتصار على الطرف الآخر.

ولذلك تحولت الكتابة الإبداعية لدينا إلى سلعة استهلاكية من جانبين ، جانب إعلامي من خلال ما يتداول حولها ، وجانب مادي من خلال جني دور النشر وكتابها (الفاشلين حتى في مادة التعبير) أموالا شجعت الحالمين بضوء لم يجدوه على خوض التجربة. ولكن لكي يضمنوا الحضور في المشهد يجب أن يحملوا بندقية الأيديولوجيا ويرابطوا في أحد الخنادق الوهمية. وعندها تتقاطر الجموع لتتويج هذا المتطفل على القلم ، قائدا ومناضلا.

... أرأيتم، ما أسهل أن تؤلف كتابا هذه الأيام، كل هذا يتم في غيبوبة نقدية كاملة. ففي اعتقادي أن النقاد أصبحوا يخافون على أنفسهم من هجوم أتباع (الكاتب/ المناضل)، ولذلك لم يعد أحد يجرؤ على كشف حقيقة هذه المضحكات الورقية.