تابع كثيرون في العالم إحجام السعوديين عن مظاهرات يوم الجمعة الماضية 11 مارس؛ بعد أن كان ذلك العالم يترقب خروجها بمن فيهم أمريكا، خاصة في الرياض التي يقطنها خمسة ملايين نسمة؛ ولهذا وبموضوعية فإن إحجام ملايين الشباب السعودي عن المظاهرات لم يكن ناتجا عن خوف أو شعور بالجُبن؛ ولا لاقتناع جميع الشباب بأنها محرمة في ظلّ مشاهداتهم للأحداث العربية الحالية التي يتعاطفون معها؛ ولا لأنهم يفتقرون إلى تجربة كما نظر المنظّرون عبر الفضائيات؛ وفي ذات الوقت لا يعني إحجامهم عنها أنهم لا يعانون من مشكلات كالبطالة والفقر وقضايا الفساد التي تطرح أخبارها الصحف السعودية بشفافية خاصة بعد كارثة سيول جدة 1430هـ.
وإنما كان إحجامهم عن المظاهرات هو نتيجة لاستيعاب الشباب السعودي الذي يشكل في المجتمع نسبة 65 % بمدى خطورة الانجراف خلف ثورة مشبوهة، ومجهولة المصدر حاولت استغلال ثغرات تحتاج إلى إصلاح في حياتهم لتجرفهم إلى فتنة الفوضى في تركيبة المجتمع المعقدة وإثارة مكوناتها القبائلية والمذهبية والفكرية والمناطقية؛ خاصة إذا صدق ما نقلته عنها CNN بأنها مدفوعة بتحريض خارجي لإثارة اضطرابات داخلية؛ فحتى إخوتنا الشيعة في المنطقة الشرقية وهي منطقة يسكنها مئات الآلاف لم ينجرفوا خلفها رغم محاولة مثيري الفتنة استغلالها عبر الإشاعات لإلصاقها بهم وإشعال التوتر المذهبي بيننا؛ وحين خرج قليلون خرجوا قبل تاريخها بأيام ولمطالب خاصة اتفقنا أو اختلفنا معها؛ فلا يعني أبدا رمي الخارجين بالعمالة والتخوين في وطن عظيم هو وطن الجميع.
إن الجمعة الماضية هي جمعة العقل السعودي الشاب بمختلف انتماءاته الفكرية والمذهبية والمناطقية؛ الذي أحجم عن المظاهرات واستوعب ظروف مكونات بيئته الاجتماعية المعقدة التركيب؛ والكامنة تحت جلودنا مما يحاول أصحاب المآرب خارج حدودنا استغلالها لإثارة فتنتها كي تكون سببا في اضطرابات علاقاتنا؛ إنه وعي عقل استوعب جيدا مدى ما يمكن أن تنتهي إليه المظاهرات من فوضى تهدد أمن وطنه حين تحوله لأرض خصبة لكيد الإرهابيين والمتطرفين ممن يختبئون بين جلودنا ولم يفتضح أمرهم بعد؛ إنه وعي العقل السعودي ببيئة هذا المجتمع الذي يحتضن ما يقارب ثمانية ملايين من جنسيات مختلفة معظمها غير عربية تعمل في أعمال متدنية الرواتب ويعانون من احتقان ثقافي واجتماعي ومنهم من قدم من خلفيات أميّة ومجاعات وحروب وسجون لفظتهم دولهم وأدخلناهم في بيوتنا سائقين بمئات الآلاف؛ وآخرون متخلفون عن نظام الإقامة قدموا للعمرة هروبا من بلادهم؛ وهؤلاء وهؤلاء قنبلة موقوتة قد تفجر بلطجية الفوضى، وتجرفنا لمنحدر لا يعلم نهايته إلا الله في ظلّ بيئتنا المعقدة اجتماعيا.
أخيرا؛ إن العقل السعودي الذي فاجأ العالم بمدى وعيه الوطني يوم الجمعة الماضية على اختلاف انتماءاته هو عقل عظيم فَطن كيف يجنب الوطن الفوضى ورفع رأس القيادة عاليا أمام العالم كما صرح بذلك النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز أول من أمس؛ هذا العقل السعودي هو نفسه الذي فطن ويفطن لما يعانيه من عثرات الفساد وثغرات القانون في مجتمعه؛ وينتظر الإصلاحات الضرورية التي اختار لها الحوار والتعاون مع قيادته والثقة بها لا المظاهرات لبناء وطن عظيم وكبير به وبقيادته.