يجتمع الطبيب في صالة الطوارىء بساحة حرب ترتفع فيها الأصوات وتزأر الآلات ويتسارع فيها النبض ويرتفع الضغط وتتسارع الأقدام ركضا تهرع، والأكواع برما تصدع.
حادث مروري محطم الأقدام، مع تكسر في الأضلاع، وشبهة نزيف في البطن، والمريض في حالة صدمة.
يبدأ الطنين والرنين. أين جراح الصدر؟ كيف سيقان المريض المكسرة؟ هل من نبض؟ إذن اتصلوا بجراح الأوعية. السونار على البطن يظهر سوائل حرة في البطن تنذر بوجود نزف. حالة المريض لم تتحسن كثيرا على الرغم من نقل الدم إليه.
يصرخ الجميع كود بلو كود بلو (إنها شيفرة الحوادث في المشفى من أزرق وأصفر وأخضر وأحمر ورمادي في ألوان تتيه على الحفظ ولا تسر السامعين) كود بلو أو الشفرة الزرقاء معناه أن القلب قد توقف ويحتاج طاقم الإنعاش القلبي.
إنها طعنة سكين في الرقبة اختصما من أجل عشرة ريالات. له الويل لقد ضربه من الخلف فخرق كل شيء حتى وصل الفم والمريض يقذف الدم بأشد من قذاف الدم الليبي، عرقت حتى طارت حبات العرق هنا وهناك والدم يغسلنا.
امرأة تنزف، مهددة بالإجهاض، لابد لها من الإسعاف فورا. يركض الفريق في تنويم المريضة وطلب الدم وطبيب النسائية والسونار وتحليل الدم.
شاب وقع من السلم فهبط ليس فوق مخدة ريش النعام بل ساطور من حديد فانشقت الذراع شقا ويصب الدم مدرارا صبا.. يدخل في حالة الصدمة ويسرع فريق جرّاحي الأوعية لكشف مكان انقطاع الشريان الرئيسي المغذي للذراع، وتصنيعه حسب الأصول والقواعد من زرع الوريد مكان الشريان المقطوع.
مشفى آخر يتصل وهو يواجه حالة متأخرة جدا، من مريض اعتدى عليه ثمانية رهط من المجرمين فشجوا رأسه واستلبوا ماله وكسروا رجله ثم ربطوا يديه خلف ظهره بالأسلاك والحبال مثل البعير، فلم يتفطن له الجوار إلا ضحى اليوم التالي في يدين شبه ميتتين بدون حس وحركة ودم.
أثناء هذا شاب ممدد كالفيل حجما، يسعفه الأطباء في حالة كود بلو. أسال ما الخبر؟ قالوا نحن أيضا لا نعرف. وليس ثمة من قصة سريرية. هل خلفها قصة حش وحشيش ومخدرات. واستمروا في تمسيد القلب وحقن الهواء.
آخر يسبح في الدم، اغتسل ثوبه أحمر ناقعا. ما الخبر؟ قالوا أخوه طعنه بسكين في رقبته. يا ستار.. يصرخ جراح الصدر إن الطعنة فوق عظم الترقوة، إنه مكان صعب وحرج فماذا نفعل؟
مدمن مخدرات اعتاد حقن نفسه في الوريد الفخذي عند المغبن. بالصدفة حقن الشريان بدل الوريد فرآه ألذ وأطيب وأسرع في التأثير مع حقن الهيروئين. تابع الحقن حتى تشكل ورم دموي ثم انفجر فسقط صاحبنا يشخب في دمه، ويسرع فريق الجراحين إلى قاعة العمليات لمعالجة وضع جدا معقد لساعات عمل طويلة مرهقة.
رجل يقذف دما من الفم، ما الخبر؟ يركض ابنه وزوجته، لقد كان في سوريا وأجريت له عملية خطيرة. اتصل بطبيبه لتعرف ما هي المشكلة؟ نعم أيها الزميل ما خبره؟ يأتي الصوت ضعيفا من الطرف الآخر إنها بسيطة يكفي أن تخيط مكان الأنورزما المنفجرة، هنا تذكرت لا أدري قنبلة عنقودية صهيونية في البطن. يهز الجراح رأسه ويعلم أنها عملية بثقل الجبال وكل لحظة قد يموت فيها المريض نزفا وغرقا.
آخر يأتي بألم في البطن وانتفاخ، ما الخبر؟ إنها أم دم مسلخة قد شققت جدر الأبهر صعودا ونزولا. يا ستار. ليس في إمكاننا أن نفعل له شيئا، يحتاج إلى مركز فتح قلب. ارسلوا الفاكسات وجهزوا (الأمبولانس) وليركب معه طبيب في الرحلة التي قد لا يعود منها.
إذا انتهت المناوبة لحقتها أخرى مثل نفخة الصور، فإذا هم قيام ينظرون ويركضون لحالة جديدة. كل رنة تلفون يقفز القلب معه هل ثمة كارثة جديدة وكود بلو؟ أم كود أسود بلاك؟ نأسف لإزعاجك دكتور لقد قطع شرايين رسغه. كم الساعة وهو يفرك عينيه من النوم؟. الرابعة سيدي. حسنا حضروا المريض واضبطوا النزف وأنا قادم.
ليس ثمة حياة خاصة للطبيب، ولا تقاعد ولا استراحة، فقد حدد حياته وانتهى، وبالمقابل يقدم المريض من حياته وآلامه ما يتعلم منها الطبيب بالمجان.. وليس طبيب مثل طبيب ولا حالة مثل حالة ولا مريض يشبه آخر.