حُكي أن الحجاج خرج يوماً متنزهاً، فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عِجْل فقال له: من أين أيُّها الشيخ؟ قال: من هذه القرية. قال كيف ترون عمّالكم؟ قال: شرَّ عمال، يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم. قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال: ذاك ما وَلِيَ العراق شرٌّ منه، قبَّحه الله، وقبح من استعمله. قال: أتعرف من أنا؟ قال: لا. قال: أنا الحجاج. قال: جعلت فداك، أو تعرف من أنا؟ قال: لا، قال: أنا فلان بن فلان من بني عِجْل، أُصرعُ في كل يوم مرتين (أي: أُصاب بالجنون)، قال: فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة. لاشك أن الحجاج سرّه تبرير الشيخ وسرّه أن الغاضبين منه إنما هم مجانين.
لا أعرف ماذا سيكون شعور الحجاج لو عاش في عصرنا هذا، عصر المنتديات والفيس بوك وتويتر، وكيف سيتعامل مع شباب عربي لا يرغبون في الصمت ولا يرون فيه فضيلة، ولن يعتبروا أنفسهم مجانين عندما يشتكون ثم يجدونه أمامهم؟ لقد شكلت الإنترنت للشباب فرصة للتعبير غير المراقب منذ ظهرت، فتجد كثيرا من العرب يشتكون من أنظمتهم.
وقبل أعوام كنت أكتب في منتدى عربي يكتب فيه عدد من شباب حركة كفاية المصرية، يومها زج بعضهم باسم المملكة؛ فسجلت اعتراضي بقولي: إننا نختلف عنكم، لكنهم غضبوا مني، ومازلت أذكر مقارنة أحدهم بين شجاعة فتياتهم وجبني الذي يتصوره دماغه الثائر، لكن مع ذلك لم يكن ليستطيع أن يقنعني بأفكاره الثورية، تذكرت ذلك وأنا أسمع صاحب السمو وزير الخارجية سعود الفيصل يقول: "أي إصبع سيمتد للتدخل في شؤوننا الداخلية سنقطعه".
لاشك أنني كمواطنة أتفق مع الأمير سعود تماماً، كما أنني أؤمن أن أي صوت ينطلق -ولو مطالباً بحق ولو كان مواطناً- من خارج حدودنا فهو خائن، فلا توجد مزايدة على الوطن، واستقرارنا وأمننا هو ما نحن مسؤولون عنه أمام حاضرنا ومستقبل أطفالنا.
في المقابل، وإذا اتفقنا على وجود "الحوار الوطني" -خاصة أن من أمر به هو ملكنا، قبل ما حدث ويحدث على الساحة العربية- فإنني لا أظن أن شكله الحالي تم كما كان يريده خادم الحرمين، أو كما نريده نحن كمواطنين.
إننا نرغب في أن تصل كلمتنا بآلية حضارية تناسب العصر الحديث، وتناسب مجتمعاً 70% منه شباب؛ تعودوا على حرية التعبير التي منحها لهم عالم الإنترنت والفيس بوك وتويتر، فهؤلاء يريدون أن يتحدثوا بكل وضوح وشفافية بما لا يتجاوز القوانين المتفق عليها رسميا وشعبيا، وبما يضمن أيضا أمن وطننا، في وقت حاول ويحاول فيه الكثيرون الاصطياد في الماء العكر، وهو ما لن يتحقق طالما أن وطني يسمعني ويتفهم حاجاتي، ولن تكون دعاواهم إلا كهشيم تذروه الرياح.