خلال الأيام الماضية كنا نتابع مؤتمر جامعة "طيبة" والمتمحور حول دور الجامعات العربية في تعزيز مبدأ الوسطية في نفوس وعقول الشباب، ومن يتابع أوضاع العالم العربي الحالية يدرك تماما أهمية هذا المؤتمر، إلا أن أجمل ما قيل فيه هو أن الوسطية التي طالب الباحثون والباحثات بتعزيزيها في شبابنا مستمدة من تعاليمنا الإسلامية، فهي منهج حياة المسلم وفكره وسلوكه، وإن الأستاذ الذي لا يعتمد الوسطية في تعاملاته داخل الجامعات العربية وخارجها مخل بالأمانة يتوجب توجيهه بل ومحاسبته.
وقد لفت نظري في هذا المؤتمر أن الغالبية العظمى من الباحثين وهم أعضاء هيئة تدريس معتمدون في الجامعات العربية استشعروا أن الكثير من أساتذة الجامعات العربية مقصرون تجاه مهامهم الدينية والوطنية بشكل عام وتجاه شباب الأمة بشكل خاص.. ومعهم الحق في ذلك، فالغلو والتطرف أو التهاون والتقصير الذي قد يظهر على بعض شبابنا يتحمل الكادر الأكاديمي في جامعاتنا جزءا منه، فواجب المدرس عموما والجامعي على وجه الخصوص لا يقتصر على إيصال المعلومة للطلاب بل على مخاطبة عقولهم وأرواحهم ووجدانهم، لقد اعترف الباحثون بوجود فجوة قد تكون عميقة في بعض الجوانب بين الأجيال، وإن ذلك بسبب اختلاف اللغة المتداولة بين الشباب وبين أساتذة الجامعات، فالعصر مختلف واللغة المستخدمة بين الجيلين مختلفة، فبينما اعتمد جيل الأساتذة على التلقي وطالبوا بالطاعة العمياء كأسلوب وطريقة لإدارة المحاضرات، عمد شباب اليوم للبحث عمن يسمع لهم ولأفكارهم، ولو من خلال قنوات متطرفة أدركت المشكلة وتعاملت معها بما يحقق أهدافها وطموحاتها في نشر الغلو والتطرف، وإن كنت أختلف مع بعض الباحثين الذين اعتقدوا أن مرحلة الجامعة هي مرحلة حب الظهور للشباب، ففي هذا القول إجحاف بيّن وواضح، فهم في هذه المرحلة في ذروة نشاطهم وعنفوانهم، إذ إن المرحلة الجامعية تعد موسم جنى ثمار تربية استمرت لسنوات في المنزل وفي المدرسة والمجتمع، وأستطيع أن أقول إنه لا يمكن لأي فطن إنكار دور الجامعات في تعزيز مبدأ الوسطية، إلا أن رعاية الطالب واحترامه في المراحل النظامية سواء ثانوية أو متوسطة بل حتى المرحلة الابتدائية من الأهمية بمكان، ففيها ننمي ثقة الطالب بنفسه وندعمها ونبعد عنه روح التمرد والغلو والسعي المستميت للانتصار للرأي لا لصحة الرأي.
إن احترامنا لرأي الطالب هو احترام لرأينا فنحن الأرض التي نما فيها وخرج منها وأثمر، إنه امتدادنا الذي علينا رعايته، إنه حلم أمسنا وأمل مستقبلنا، وبالتالي فاحترامنا للشباب يزيد من قدرنا ولا ينقصنا، ينفعنا ولا يضرنا، احترامنا له يلزمنا القيام بواجباتنا تجاهه على أكمل وجه، ويلزمه من الجانب الآخر القيام بواجباته تجاه الجامعة بل تجاه دينه ووطنه.. فكل حق يقابله واجب وكل واجب يقابله حق.
لقد وصل للحضور أن الغلو والتطرف لا يكون فقط في التطرف الديني بل قد يكون من الجانب المغاير، فهناك تنطع وغلو في الجهة المعاكسة تماما، والتي تنادي بكل ما يتناقض وتعاليم الدين، وكلا النوعين من التطرف والغلو مخالف لتعاليم الدين الحنيف ومضر بمستقبل هذه الأمة، وواجب المدرس الجامعي الاهتمام بمعالجة كلا الجانبين، فلا إفراط ولا تفريط، وتلك المعالجة تكون من خلال سلوكه وتصرفاته لا اعتمادا على أقوال قد ينتهي مفعولها بتغيير محيطها، كما أن الجميل في هذا المؤتمر أنه لم يكتف بالأبحاث النظرية بل اهتم بدراسات إحصائية درست دراسة وحللت المشكلة ومن ثم عمدت لإيجاد الحلول لها، حلول تعدت محيط الجامعة لتصل إلى الإشارة إلى واجبات المجتمع تجاه الشباب، الذي يحتاج لأرضية ثابتة تؤمن له بإذن الله الحياة الكريمة، إذ لا فائدة من أربع سنوات يقضيها الطالب في الجامعة يقال له فيها إن المجتمع بحاجة له وإن عليه تنمية مهاراته إلى أن يحين الوقت ويخرج منها فارسا يخدم دينه ووطنه، ليفاجأ أن الأبواب أغلقت في وجهه وأن لا طريق سالكا أمامه، وأن كل القطاعات ترفض استقباله، وإن قبلته ستقبله على سبيل المن والتفضل، كما يحصل في بعض القطاعات الخاصة مع الأسف، والتي قد تكلفه بالكثير وتقدم له أقل القليل، مما قد لا يكفيه لبناء أسرة مستقرة وهانئة، وفي هذه الفترة من حياته قد يتحول إلى كاره لمجتمعه ناقم على أفراده، وبسبب هذه الظروف الخاصة قد تتحول هذه المشاعر إلى غلو وتشدد، غلو كان للجامعة دور محوري في إقراره وتثبيته، ومن هنا أيضا أعتقد أن الجامعات العربية عليها واجب تجاه المجتمع وتجاه القطاع الخاص الذي يفترض أن يستقطب شبابنا الواعد، فهي علاقة مغيبة بشكل أو بآخر..فشبابنا الجامعي المتخرج قد يجد نفسه بلا جذور ولا امتداد، فالجامعات ترميه في مهب الريح، بل وتستنكر أي مشورة يحاول الطالب المتخرج الحصول عليها من جامعته فهي تعتقد أنها فطمته، وبالتالي تزيحه عنها كلما اقترب منها، أو حاول النظر إلى بابها.
إن هذا المؤتمر الذي استمر الإعداد له قرابة الثمانية أشهر، يستوجب توجيه الشكر للقائمين عليه في جامعة طيبة فقد بذلت الكثير من الجهد لإنجاحه وفي وقت قياسي، وهذا الشكر موصول للجان التنظيمية خاصة النسائية منها، والتي رثيت لحالها وأصابني التعب من مشاهدة عضواتها واقفات طوال جلسات المؤتمر يتابعن احتياجات الباحثات والحاضرات، مما دفعني لأطلب من بعضهن الجلوس. وكان الرد دوما ابتسامة بعرض السماء ونسيم الصباح.. فشكرا لجامعة طيبة، ولمديرها معالي الأستاذ الدكتور منصور بن محمد النزهة وأساتذتها وطلابها ولأهل طيبة الطيبة على هذا المؤتمر الذي حاكى الواقع الذي نعيشه، والذي أتطلع لتفعيل الجامعات العربية لتوصياته والتعايش معها.