تراهما يتدارسان معا، كل واحد منهما يحث الآخر على المثابرة والجد في المذاكرة، أبٌ مع ابنه، كلاهما في مركب "العلم"، حيث تجمعهما "المعرفة"، التي تنير طريق الإنسان. وما جمع الأب مع ابنه، أن الأول قرر أن ينفض عنه غبار السنوات، غير عابئ بتقدم سنه، أو موقعه الاجتماعي، وذاهبا برجليه إلى تعليم ارتضاه لنفسه، ليتم دراسته النظامية، تاركا الخجل جانبا، وطالبا من ابنه مساعدته في شرح موضوع ما، أو حل مسألة رياضية استعصت عليه، الأمر الذي اضطر عددا من الطلاب المنتظمين، بمختلف مراحل التعليم العام بالمملكة، إلى إعادة تنظيم أوقاتهم، خلال فترة الاختبارات النهائية، للتوفيق بين مذاكرة مقرراتهم الدراسية، ومتابعة آلية استذكار آبائهم، الذين أصبحوا زملاء لهم في الدراسة، يؤدون معهم الاختبارات داخل أروقة قاعات المدارس.
متابعة الآباء
الطالب عبدالله المحامض، يروي لـ"الوطن" تجربته الدراسية مع والده، موضحا أنه اعتاد على متابعة ولي أمره خلال أيام الاختبارات النهائية، منذ ما يقارب من 3 أعوام، وذلك لـ"حثه على المذاكرة، والسعي للتميز". مشيراً إلى أن "هذا الأمر يشغل الكثير من زملائه الطلاب وأسرهم، حيث أصبح الأبناء يتابعون أولياء أمورهم المنتسبين دراسيا، ويقدمون لهم المشورة والخطوات المثالية، والأنشطة التدريبية، للوصول للمفاهيم الأدبية والعلمية والثقافية، التي تحتضنها صفحات المقررات الدراسية".
من جهته، أشار الطالب محمد آل منصور، الذي يدرس في الصف الثاني الثانوي، إلى أنه اعتاد خلال فترة الاختبارات في السنوات الماضية، على متابعة والده له، والذي يحثه على المذاكرة المستمرة، مشيراً إلى أن "هذا الأمر تحول خلال هذا العام، عندما قرر والده الانتساب بنظام المنازل، وإكمال الدراسة، حيث أصبح معه في نفس الصف، ويذاكر معه، ويستعرض التدريبات والأنشطة".
مساعدة الأقارب
التجربة السابقة للطالبين آل منصور، والمحامض، شاركهما فيها الطالب مسفر آل رزق، الذي يدرس بالصف الأول الثانوي، والذي يقول إن "استفسارات أقاربي المنتسبين بنظام المنازل، خلال هذه الفترة، أجبرتني على استغلال أغلب أوقاتي، في البحث والاطلاع والاستذكار، للإجابة على تساؤلاتهم، ومساعدتهم في إيضاح المفاهيم والأنشطة والتدريبات المقررة"، مشيراً إلى أن هذا الأمر أصبح "محفزا لي، وسببا رئيساً في الاستفادة الذاتية، والحصول على النتائج الإيجابية".
الحال مع الطالب حمد الصقور، الذي يدرس بالصف الثاني الثانوي، لم تكن مختلفة كثيرا، وهي تدور في فلك التجارب السابقة، حيث يشير إلى أنه يشرح المفاهيم والنظريات العلمية لوالده، ثم يقدم له اختبارات تجريبية في موضوعات المنهج، ويترك المجال له في حلها، خلال وقت محدد، ليقوم بالتصحيح والتعديل له، في جوانب القصور، كاشفا عن أنه دخل في تحد مع والده، في من يحصد درجات أعلى من الآخر.
توقيتُ كأس العالم
مباريات كأس العالم المقامة في جنوب أفريقيا، كما جذبت إليها الملايين في أنحاء العالم، جذبت أنظار الطلاب، الواقعين بين نار المذاكرة، والرغبة في متابعة مجريات البطولة العالمية. وعن هذه "الحيرة" يقول محمد آل بحري، الطالب في المرحلة الثانوية، إن "اختبارات هذا العام تختلف عن الأعوام الثلاثة السابقة، حيث صادفت مباريات بطولة كأس العالم، مما اضطر أغلب الطلاب لتحديد أوقات الاستراحة والاسترخاء، بالتزامن مع أوقات المباريات الهامة".
التنظيم لدى البعض قد يكون أكثر صعوبة، خاصة إذا كان يريد متابعة مجريات البطولة الأممية، وهو في ذات الوقت عليه استذكار مقرراته الدراسية، ومساعدة والده في مذاكرته، وهو ما يقوم به الطالب في المرحلة المتوسطة، عبد الرحمن القحطاني، الذي قال لـ"الوطن" "ليس لدي مشكلة في ضيق الوقت، للتوفيق بين متابعة مذاكرة والدي، في حل المسائل الحسابية، وبين مباريات كأس العالم، واستذكار دروسي"، وذلك بسبب "اعتمادي على أسلوب المذاكرة أولا بأول، منذ بداية الفصل الدراسي الثاني لهذا العام. واعتمادي على أساليب إدارة الوقت".
آباء يروون تجاربهم
والد الطالب مهدي آل سليم، المنتسب في الصف الثالث المتوسط، يبدو مصمما على مواصلة مشواره، وهو بالرغم من كونه يعمل في أحد القطاعات العسكرية، إلا أنه قرر مواصلة دراسته، للاستزادة بالعلم، والحصول على مؤهلات دراسية، تفيده في الترقية في مجال عمله. موضحا أنه اضطر للاستعانة بأبنائه، وأبناء أقاربه المنتظمين في الدراسة، في نفس الصف المنتسب إليه، للاستفادة من خبراتهم وتدريباتهم وملخصاتهم، التي يدونونها داخل الحصص الدراسية، أثناء أيام العام الدراسي.
مانع آل سالم، الأبُ المنتسب في الصف الثالث الثانوي، يروي تجربته، مبينا أن بعض المفاهيم العلمية الصعبة، أجبرته على تخصيص وقت لا يتجاوز ساعتين في فترة المساء، للمذاكرة مع ابنه وابن أخيه، المنتظمين خلال هذا العام في ذات الصف، والاستفسار منهما في بعض الأنشطة والمسائل العلمية. مشيراً إلى أن "هذا الأمر ساهم بشكل كبير في تقديمي نتائج إيجابية، في اختبارات المواد الدراسية خلال الأيام الماضية".
هذا الإقبال من بعض أولياء الأمور على الدراسة، يرجعه الأستاذ حسين القحطاني، المعلم في المرحلة الثانوية بنجران، إلى الرغبة في الحصول على "الترقيات في مجال العمل"، معتقدا أن "حب مواصلة الدراسة لدى الكثير من طلاب المنازل، ساهم بشكل كبير في الجدية والحرص على تحقيق النتائج الإيجابية"، مشيراً إلى أن "الكثير منهم يحرص على المراجعة مع المعلمين أو الطلاب المنتظمين، بعد تأديته للاختبار، للتأكد من مدى صحة الإجابات التي حررها، في ورقة الاختبار".
التهيئة والاستعداد
من جهته، أوضح مدير عام التربية والتعليم للبنين، بمنطقة نجران، علي بن جابر الشمراني، أنه "تم تزويد أولياء الأمور الدارسين بنظام المنازل، بالمقررات الدراسية اللازمة، واللوائح المنظمة للدراسة بنظام الانتساب، وتم توجيه مديري المدارس باستهدافهم بالبرامج التوعوية المناسبة للمذاكرة، وتخصيص القاعات المثالية، لكي يؤدوا اختباراتهم بطمأنينة وهدوء، في مختلف مدارس التعليم العام"، وهو الأمر الذي من شأنه خلق بيئة تعليمية صحية تعود بالنفع على الأسرة ككل، وتكلل جهود الأبناء والآباء بالنجاح.