في الحقيقة أن قيادة المملكة العربية السعودية حريصة كل الحرص على تعليم الشباب السعودي طلابا وطالبات في داخل المملكة وخارجها، ويشهد على ذلك تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس طيب الله ثراه الملك عبدالعزيز فانتشرت من بعده البعثات التعليمية لجميع أنحاء العالم ابتداء من مصر ولبنان وبعض الدول العربية إلى الولايات المتحدة وأوروبا والهند وباكستان وغيرها من دول آسيا. وللتاريخ أن تعليم المرأة في الجزيرة لم يبدأ بصفة نظامية ورسمية إلا في العهد السعودي وتاريخ تطور التعليم النظامي للمرأة أكبر شاهد على هذا حتى وصل إلى مرحلة التعليم العالي في أفضل الجامعات العالمية المتخصصة. ولم يكن شرط ابتعاث الطالبة السعودية بمرافق (محرم) شرطاً وضع جزافاً وإنما هو متطلب شرعي حسب الفتوى الشرعية من الجهات المعنية بالفتوى بالإضافة إلى حرص القيادة وحرص المسؤولين بوزارة التعليم العالي على توفير الحماية والرعاية للطالبة المبتعثة ومنع أي وسائل التحرش والإساءة للمرأة والقيام بأدوار مساندة لا تستطيع المرأة القيام بها وهذه بعض الأسباب. ورغم تشدد نظام الابتعاث بربط المحرم بابتعاث الطالبة السعودية واستناده في هذا على الرؤية الشرعية التي نلتزم بها ونحترمها ونقدرها ونتفق معها ونطالب بها إلا أن البعض يتساءل عن أصل الفتوى الشرعية للمحرم غير الزوج في الابتعاث للدراسة ويذهب البعض إلى الاستفسار عن مفهوم المحرم وأين شروط الالتزام به وهل شرط المحرم ينطبق على جميع الحالات مثل السفر للعمل أو السفر للدراسة أو السفر للحج أو للعمرة، ويتساءل البعض الآخر عن وجوب المحرم في السفر مع الجماعة. أسئلة عديدة يطرحها البعض وتحتاج إلى أجوبة عديدة. إلا أنني أطرح اليوم واقع المحرم في الدراسة خارج المملكة ووسائل التحايل التي يتبعها بعض المبتعثات للدراسة خارج المملكة لاستيفاء شرط المحرم ومنها قيام بعض الطالبات بتسجيل آبائهن أو إخوانهن أو أعمامهن كمحرم رسمي لهن بعد استيفاء شروط المحرم حسب متطلبات وزارة التعليم العالي وتقوم بعض مبتعثات الدراسات العليا بتسجيل عقود زواج رسمية موثقة في المنظور الرسمي ومعطلة التطبيق في المنظور العملي حيث تبرم اتفاقيات جانبية بين الزوج والمبتعثة بأن هذا العقد صوري ولغرض شرط المحرم في الابتعاث ويتم الاتفاق على مبالغ شهرية محددة بالإضافة إلى تذاكر سفر سنوية ومميزات أخرى وذلك بغرض الإيفاء بالمتطلبات الرسمية للمحرم في الابتعاث والأمثلة في ذلك عديدة ورغم قبول الوزارة بهذه الوثائق الرسمية لمطابقتها للشروط إلا أنها يصعب عليها وعلى الملحقيات الثقافية التحقق من أن المحرم الزوج أو غيره من المحارم مقيم إقامة دائمة مع المبتعثة أو مؤقتة حتى لو تمت متابعة تأشيرات الدخول والخروج لبلد الابتعاث والحقيقة كما يراها البعض أن نسبة عالية جداً من المحارم غير الأزواج هم مسجلون على الورق الرسمي فقط لكنهم غير متواجدين على أرض الواقع وبالتالي تكون النتيجة أن الغرض الأساسي من المحرم شرعاً لم يتحقق ثانياً أن تكلفة رواتب وامتيازات وتكلفة الدراسة لبعض المحارم هي تكلفة اقتصادية تمثل عبئاً على الدولة وكان بالإمكان الإستفادة من هذه التكلفة بمضاعفة عدد المبتعثات، وفي كثير بل في معظم حالات المحرم على الورق يكتفي المحرم بربع المكافأة المخصصة له. أو نصفها ويعود للوطن أو يقضي فترة سياحة واستكشاف في بلاد الابتعاث وهي خسارة على ميزانية الابتعاث كان بالإمكان توجيهها لابتعاث المزيد من الطالبات.
أما التحليل الواقعي للمحرم المرافق في دول الابتعاث فهو بقاؤه إما في المنزل أو الدراسة في أحد المعاهد أو الكليات أو الجامعات وليس بالشرط مع المبتعثة في نفس المدينة أو الجامعة وبالتالي فهو غير متواجد مع الطالبة في الفصل الدراسي أو في الاستراحات داخل الحرم الجامعي أو المناسبات الجامعية وتفرض الظروف التعليمية الاختلاط في الفصل الدراسي والقاعات والمناسبات التعليمية ولا يمكن أن يسمح للمرافق المحرم أن يدخل مع الطالبة الفصل التعليمي أو المعمل أو المختبر أو المشاركة كمرافق في جلسات النقاش وورش العمل أو في الرحلات العلمية.
ولهذا فإن شرط المحرم للابتعاث من وجهة نظر الكثير من أصحاب الفكر هو شرط على الورق لإرضاء المشرع أو المنفذ له وهو وزارة التعليم العالي ولكنه على أرض الواقع غير مطبق كما تم التخطيط له ولم يحقق الأهداف، علماً بأن العديد من المرافقين لزوجاتهم المبتعثات يذهبون معهم في الإجازات والمناسبات فقط ثم يعودون لأعمالهم في السعودية حتى وإن كان في ذلك مخالفة نظامية لكن يصعب اكتشافها. ولهذا فإنني أقترح أن يفتح حوار مع ذوي العلاقة من مشايخنا ذوي الفكر القابل لسماع الرأي الآخر ومن مجموعة من المسؤولين في وزارة التعليم العالي والملحقيات الثقافية ومن بعض الطالبات المبتعثات وبعض المرافقين كمحرم زوج أو أخ أو عم أو خال أو غيرهم مع حضور بعض المفكرين وأصحاب الرأي العاقل وغير المتهور وأجزم بأن مثل هذا الحوار العاقل سوف نصل به ومعه إلى حلول توافقية تحقق الأهداف التي نطمح لها مؤكداً أنني مع كل الإجراءات التي تحافظ على كرامة وخصوصية المرأة المسلمة. وأجزم بأن رعاية الدولة للمحرم مثل رعايتها للمبتعثة هي أكبر حافز للطالبة السعودية للزواج وأن ترك موضوع خيار المحرم لولي أمر الطالبة يضع المسؤولية على ولي أمرها الأساسي والدها أو أهلها. وهي أمور يجب أن تطرح للحوار لأن الإجراء الحالي في تطبيق شرط المحرم للمبتعثات أجزم بأنه صحيح على الورق الرسمي المطلوب من وزارة التعليم العالي لكنه غير مطبق على أرض الواقع، وإن كانت هناك إجراءات من الملحقيات الثقافية للمتابعة إلا أنه تصعب المتابعة الدقيقة والملزمة.
ولهذا وددت اليوم أن أطرح هذه القضية التي بالإمكان البحث عن حلول لمعالجتها وبالإمكان مضاعفة ميزانية ابتعاث الطالبات السعوديات إذا ألغي المحرم غير الزوج في الابتعاث متمنياً على الباحثين الشرعيين أن يتعمقوا في البحث في هذا الموضوع ليجدوا حلولاً بالإمكان الاستفادة منها وإن رفض الحوار في هذا الموضوع سيدفع إجراءات التحايل للتطور وفيها إهدار للمال العام بالإمكان الاستفادة منه لمزيد من المبتعثين داخل وخارج المملكة.