يعتبر هاشمي رفسنجاني إحدى الشخصيات الأكثر شهرة في تاريخ الثورة الإسلامية في إيران. وبعد سنوات من التكهنات حول ما إذا كانت هناك خلافات بينه وبين المرشد الأعلى آية الله خامنئي، خسر رفسنجاني في 8 مارس أحد مناصبه المهمة. كان رفسنجاني على مدى سنوات يتولى منصب رئيس مجلس الخبراء الذي يعهد إليه بمسؤولية اختيار ومراقبة، وربما إقصاء المرشد الأعلى في إيران، وهو المنصب الذي خسره في 8 مارس. كما يتولى رفسنجاني أيضا منصب رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران. قد تكون الضغوط التي تعرض لها رفسنجاني من خصومه بعد ثماني سنوات من توليه منصب رئيس مجلس الخبراء هي التي جعلته لا يرشح نفسه للمنصب لفترة أخرى، وهذا أدى إلى اختيار آية الله مهدوي كاني لعدم وجود منافس له. هاشمي رفسنجاني رجل غامض، وكان أحد أهم مراكز القوة في إيران إلى أن تولى أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية الإسلامية منذ ست سنوات، لكنه خسر نفوذه تدريجيا وفقد مصداقيته واحترامه بين المتشددين الذين أصبحوا أكثر قربا من المرشد الأعلى.
هاشمي رفسنجاني يحاول جاهدا البقاء بعد هذه الصدمة السياسية الكبيرة. ليس هو فقط، حتى أبناؤه أصبحوا هدفا لكراهية المتشددين وكثيرا ما تعرضوا للهجوم ووضعت علامات استفهام حول مصادر ثروتهم. أبناؤه لم يدخلوا المجال السياسي مطلقا ويعملون في قطاع الأعمال، ومع ذلك تعرضوا لهجمات واسعة من قبل أجهزة الإعلام التابعة للتيار المحافظ. ابنه الأكبر، محسن هاشمي، الذي كان رئيس "مترو طهران" لمدة 17 عاما استقال في 4 مارس بسبب خلافات وصراعات متكررة مع الحكومة حول التمويل وخطة الميزانية. الرئيس أحمدي نجاد يعتبر المسؤول الأول عن محاربة عائلة رفسنجاني وهناك شعور عام بأنه كان يريد تدميرها منذ اليوم الأول لوصوله إلى منصب رئاسة الجمهورية. الابن الثاني لرفسنجاني، مهدي، غادر إيران منذ سنتين تقريبا، بعد شهر من الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 2009. وقد أصدر القضاء عدة أوامر لمهدي كي يمثل أمام القاضي ويجيب عن أسئلة حول دوره في المظاهرات المعادية للحكومة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية. لكن مهدي لم يرجع مطلقا إلى إيران واكتفى بإصدار تصريحات وبيانات أنكر فيها أي علاقة له بهذه التهم وقال إنها قضايا سياسية تم تلفيقها له لاستهداف والده وعائلته. لكن هاشمي رفسنجاني قال إن ابنه يحضر لنيل شهادة الدكتوراه في الخارج وسيعود إلى إيران عندما ينتهي من دراسته. لكنه لم يعد مطلقا وبقي متواريا عن الأنظار متنقلا بين دبي ولندن حيث تستطيع عائلته أن تذهب لزيارته. الشخصية الأكثر إثارة للجدل في عائلة رفسنجاني هي ابنته فائزة التي كانت في فترة من الفترات عضوة في البرلمان وكانت من التيار الإصلاحي في عام 1997. كانت فائزة رئيسة تحرير صحيفة "زان نيوز" المعروفة بمواقفها الإصلاحية الجريئة إلى أن تم إغلاقها في 1999. لكن فائزة بقيت جريئة في تصريحاتها ومواقفها ضد المحافظين والمتشددين ولذلك أصبحت الهدف الرئيسي لأنصار النظام الإيراني. منذ أسبوع فقط، تعرضت فائزة لهجوم من قبل جماعة "حزب الله" الإيراني الذين يرتدون الملابس المدنية بينما كانت تزور إحدى المقابر في جنوب طهران. كان سلوك الأشخاص الذين هاجموا السيدة فائزة رفسنجاني والعبارات التي استخدموها مشينة وتم تسجيلها على كاميرا جوال ووضعت على موقع يوتيوب. كانت الإهانات والسلوك الرخيص للمهاجمين أكثر من أن يصدقها الإنسان، خاصة أنها صدرت من أشخاص يفترض أنهم محافظون، وقد اضطر رجال الدين والمدعي العام في إيران لإصدار بيانات أدانوا فيها هذا التصرف ووعدوا بالعثور على المهاجمين ومعاقبتهم.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها عائلة هاشمي رفسنجاني للهجوم والإهانة. فقد اعتقلت فائزة عدة مرات خلال مشاركتها في مظاهرات ضد الحكومة في طهران، وكانت آخر مرة في 14 فبراير 2011. كما اعتقل أحد أبنائه لمدة يومين لدى وصوله إلى مطار طهران قادما من بريطانيا حيث يدرس في الجامعة. خلال الأسابيع القليلة الماضية كانت هناك تقارير بأن أشخاصا ادعوا أنهم من ميليشيا الباسيج تجمعوا أمام منزل هاشمي رفسنجاني شمال طهران وأطلقوا هتافات ضده وضد زوجته وعائلته، كما قاموا بركل باب بيته ورمي حجارة على البيت. وصرح السيد حسن خميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله خميني، والذي يسكن قرب منزل رفسنجاني، أنه سمع إهانات وشتائم موجهة للسيد رفسنجاني من قبل هؤلاء المحرضين.
هاشمي رفسنجاني الذي كان أقوى شخصية في إيران في وقت من الأوقات، وكان الناس يحسبون له ألف حساب، والذي كان وراء اختيار آية الله خامنئي لمنصب المرشد الأعلى، واستطاع أن يضع حدا للحرب العراقية-الإيرانية التي امتدت 8 سنوات، أصبح ضعيفا جدا لدرجة أنه لم يعد يسمح له بأداء صلاة الجمعة في طهران. ومع انهيار مستقبله السياسي وتقدمه في السن، أصبح هذا الرجل الحكيم يفكر في مستقبل أبنائه وسلامة عائلته فقط. لذلك فإن عدم ترشحه لمنصب رئيس مجلس الخبراء واستقالة ابنه محسن من إدارة "مترو طهران" ربما يعطيان عائلة رفسنجاني حصانة أفضل وقد يساعدهم الانسحاب من الحياة العامة على وضع خطط أفضل للمستقبل.
ولكن هل ستبقى العائلة في إيران بعد سقوط هاشمي؟ في ظل المستقبل الضبابي لإيران وغياب دعم المرشد الأعلى، صديقه القديم، من يستطيع ضمان سلامة عائلة هاشمي رفسنجاني؟ يبدو أن العائلة التي ضحت كثيرا من أجل الثورة صار عليها الآن أن تبحث عن مكان آمن إذا أراد أفرادها أن يتحركوا بحرية مرة أخرى.