احتفى مجموعة من المثقفين والأدباء والنقاد المصريين بمسيرة الكاتب والأديب الراحل محمود السعدني، الذي توفي في الخامس من مايو المنصرم، وذلك في ندوة نظمتها أخيراً لجنة القصة بالمجلس الأعلى المصري للثقافة.

وقال مقرر لجنة القصة الروائي خيري شلبي "إن السعدني كاتب مصري حتى النخاع، ففي كتاباته تجليات الروح المصرية، ومواهب الممثلين العتاة أمثال شارلي شابلن، وكان لديه نفس طويل كنهر النيل يفيض في الحديث عدة ساعات دون توقف".

وأوضح شلبي أن محمود السعدني كتب مجموعات قصصية نافست قصص يوسف إدريس، وأشهرها مجموعة "بنت مدارس"، وقدم للصحافة لونا جديدا من الأدب هو أدب الاعتراف الذي لم يكن حاضراً في الأدب العربي إلا على استحياء شديد، مشيراً إلى أن لجنة القصة بالمجلس الأعلى المصري للثقافة بصدد إقامة ندوة لاسترداد ميراث محمود السعدني الذي احتجب في دهاليز أدبه القصصي.

من جانبه أشار الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور عماد أبوغازي إلى أن اختيار لجنة القصة لإقامة ندوة للسعدني هو وداع غير تقليدي لمبدع غير تقليدي، مؤكداً على أن ندوة السعدني تتجاوز شكل التأبين العادي حيث خصصت لجنة القصة طريقاً جديداً يليق بقامة السعدني، وذلك بإقامتها جلسة تتناول الجوانب المتعددة لإبداع السعدني.

أما شقيقه الفنان صلاح السعدني فقال "إن شقيقي الكاتب الكبير محمود السعدني لم يكن مجرد فرد، وإنما كان قبيلة بحالها"، مؤكداً على أن محمود لم يكن بالنسبة له مجرد أخ، فقد كان والده المسؤول عن ذهابه إلى المدرسة، وعن إطعامه، وملبسه ومشربه، قائلاً "لقد كان عالمي وكان يصحبني للجلوس معه في قهوة قريبة من بيتنا في الجيزة، وعرفت في هذه القهوة كوكبة من كتاب مصر يرجع لهم الفضل في التأسيس الإنساني لي".

كما أشار صلاح السعدني إلى أن محمود لم يكن في حالة مزاجية واحدة، فكان ينفعل غاضباً من أشياء غريبة، وينتشي سعيداً من أشياء أغرب، مضيفاً "كان يقول دائماً إن المصريين يجب أن يجدوا ما يطعمون به أولادهم، قبل أن يبحثوا عن الديموقراطية".

وأشار الشاعر شعبان يوسف إلى أن فترة الخمسينيات التي ظهرت فيها مجموعة السعدني الأولى كانت عامرة بالقصة القصيرة، حيث صدر خلالها 20 مجموعة قصصية مهمة ليوسف إدريس وسعد مكاوي وغيرهما، وهو ما لم يتكرر في الستينيات أو في أي فترة أخرى، مشيراً إلى أن عددا من الكتاب الكبار اختاروا مجموعة "السماء السوداء" للسعدني باعتبارها مجموعة قصصية هامة تمثل تيار الواقعية، ومن هؤلاء القاص يوسف إدريس، والناقد عبدالقادر القط الذي أكد على موهبة السعدني القصصية الكبيرة، وأنها تمثل تيار الواقعية في ذلك الوقت.

أما الروائي فؤاد قنديل فتناول ما تعرض له محمود السعدني من الظلم على المستوى الإبداعي، خاصة الإبداع القصصي الذي كان عطاؤه فيه مهما للغاية، وما كان ينبغي أن يهمله النقاد، مؤكدا أن المجموعات التي قدمها السعدني غنية جدا.

وأضاف قنديل أن السعدني قدم لنا مجموعة من القصص تعتبر شهادة أدبية عن عصر ما قبل الثورة، لتصور حال المهمشين والمطحونين، مؤكدا أن هذه الشهادة تعتبر أهم من شهادة المؤرخين وعلماء الاجتماع.

وأشار قنديل إلى أن كل قصص السعدني مكتوبة بطريقة "الفلاش باك" في هذه المجموعة ما عدا قصة واحدة، حيث يبدأ من نقطة ساخنة، وبمختلف أحداثها يحتضنها ويعود ليسرد باقي الأحداث، وهي بنية قصصية مبكرة جدا، فالسعدني كان صاحب إسهام مبكر قوي في تقديم قصة حديثة لتلك الفترة، ولغته كانت عربية وقوية جدا وقادرة على التصوير، ومطعمة بالعامية التي ظهرت فيما بعد ذلك عند آخرين، والتطعيم باللهجة العامية لم يكن موجودا على نطاق واسع.

من جهة أخرى، قال الناقد حسام عقل "إن السعدني دعا إلى الاحتفال بنكسة يونيو عام 1967، مشيرا إلى أنه كتب مقالا يدعو فيه المؤسسات والجامعات إلى استخراج الدروس والعبر المستفادة منها.