على طريقة بعض دور النشر(وبعض المؤلفين) التي تُشيع أن كتبا أحضرتها لمعرض الرياض الدولي للكتاب "منعت"، للترويج لها ـ كل ممنوع مرغوب ـ جاءت موضة "قناتنا الفضائية تتعرض للتشويش"..!!، فحتى القنوات الحكومية التي لا يشاهدها أحد بدأت تصرخ: نحن نتعرض للتشويش! ومنها القنوات الرسمية الليبية التي لا تبث إلا أغاني تمجد "الزعيم". صحيح أن بعض تلك القنوات تكون ضمن حزمة قناة أخرى تتعرض فعليا للتشويش. لكن المضحك أن تلك القنوات تدعي أن تعرض بثها للتشويش جاء لأنها تحوي "رسالة وطنية مهمة". ولكن الحقيقة التي يجب أن يدركها القائمون على معظم القنوات العربية الحكومية و"الخاصة" على حد سواء، هي أن المشكلة ليست في أنها تتعرض للتشويش، ولكن أصل المشكلة في أنها هي من "شوش" على عقولنا وعقول أطفالنا سنوات وسنوات، ولنا أن نتساءل في هذا الإطار: أليس التغاضي عن الفساد المالي والأخلاقي وعدم تجرؤ أية قناة عربية على فتح ملفات الفساد في بلدانها التي تباع فيها الذمم بملايين الدولارات، تدليسا وتشويشا وتواطئا، على الرغم من أن الحقائق والإثباتات موجودة ومن السهل الحصول عليها ونشرها؟
أليس قطع بث قناة "الثقافية" مثلا في معرض الرياض الدولي من قبل فئة تحاول الحجر على عقول الآخرين تحت أية ذريعة، تشويشا على العقول وتضييقا على الناس؟ أليس استحداث قنوات طائفية على غرار "الكوثر" و"الفرات" و"الأنوار" و"صفا" و"الحكمة" وتعبئة ساعات بثها بالردح الطائفي المقيت، تشويشا على مفاهيم الوطنية، وتفتيتا لمبدأ الوطن الواحد الذي لا فرق بين أبنائه؟ ألم يمارس محللو "الغفلة" في فضائياتنا دورا مشبوها في سقوط مئات الألوف من العامة في فخ الأسهم؟ أليس ظهور برامج وفضائيات متخصصة في تمجيد القبيلة و"مزايينها"، تشويشا على المدنية وأسس الوحدة الوطنية، وإعادة للأفكار والانتماءات إلى ما قبل مئات السنين، وكأننا نعيش في زمن "سم يا شيخ.. خلنا نذبحهم مثل النعاج" ؟ أليس إشغال الناس بمبارزة لفظية ممجوجة بين رؤساء أندية رياضية لعدة أشهر تشويشا على البسطاء وإشغالا لهم عن القضايا الأكبر؟ أليس الصمت ـ وربما التأييد من تحت الطاولة ـ عن نشر ثقافة "مهند ونور" و" نجوم ستار أكاديمي" تشويشا على الأخلاق والقيم الأصيلة؟.. الأسئلة و"التشويشات" كثيرة جدا جدا.. ولكن المساحة لا تسمح بأكثر من هذا.