وبقدر شكري للإخوة الكرام الذين فتحوا معي نقاشاً حول مقالاتي الثلاث السابقة، بقدر احترامي الشديد لمواقفهم بالموافقة أو التحفظ. وسعيدٌ جداً أن النقاش كان ـ نخبوياً ـ مثلما بعث رسالة اطمئنان واضحة أن الجميع بشتى مشاربهم ومدارسهم كانوا يتفقون على ـ الوطن ـ وربما خالفوني على التفاصيل. وقمة الفهم الخاطئ أن يظن أحد أننا نزايد على أرصدة الحب والغيرة على المكتسبات ومعيار الوطنية. أنا لا أقبل لنفسي أن يصفها أحد بالانتهازية البائسة في ظروف ملتبسة، وعلى استعداد لكشف كل شيء ولن تنسف كل الكلمات الجارحة إيماني بنفسي أنها عاشت فرداً مستقلاً حراً ووحيدة في كل حروبها التي فرضتها قصة الكتابة. وكل اختلافي مع الإخوة الكرام من موقعي البيانات لا علاقة لها بمؤشرات المواطن، بل إن بينهم، وربما جلهم، من خدم مجتمعه ووطنه عشرات أضعاف ما فعلت أو حتى حاولت. اختلافي معهم في التوقيت وفي الطريقة والآلية، ومهما كان تفسير هذا الاختلاف فإن الثابت أن الرأي المختلف أبسط حقوق حوار المثقف، ومن أراد أن يقرأ مشواري فهو موجود إلى يسار الصفحة الإلكترونية ببضعة أزرار من الأنامل. أنا مؤمن أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم لها واجبات ثابتة على الطرفين بمثل ما لها من الحقوق وعليها. وفيما عدا الثابت من الأمنين الديني والوطني، الذي يجب أن يبقى دون التباس، فإن بقية القضايا ليست فحسب مطروحة للنقاش بل واجبة للمناقشة. وحين نكتب عن مواطن الخلل التنموي فإننا في القطع لا ننفي قصة هذه الثورة التنموية ولكنها قصة الجرح والتعديل. وما كتبته في ـ أرشيفي ـ على اليسار الآن هو جل ما في البيانات وقد يستحيل ما كتبت إلى كتب. كتبت الفساد ـ مفردة ـ في العناوين والبراهين مثلما كانت وتيرة الإصلاح المتباطئة صلباً لعشرات المقالات والحوارات التي قلتها بصوت عال مسموع. لم أتجاهل لحظة من حياتي حقوق الإنسان والفرد والمجتمع والعاطلين والفقراء والمظلومين، وأكبر تهمة لقيتها أن لغتي مع هذه القضايا حادة جارحة. كتبت عن حقوق المناطق والأطراف والأقليات والمذاهب وعن التمثيل المتكافئ للجميع في المناصب العامة دون تمييز، مثلما كتبت عن حقوق المرأة. عشت حياتي تهمة متحركة من الشكوك العقدية حتى المناطقية وليس انتهاء بآخرها من الأمس في الانتهازية. ومع وطني فإن أبسط حقوقي أن أختلف في الآلية والطريقة والتوقيت. حياة هذا الشعب وأمنه ومستقبله أثقل وأعمق من مغامرات غير محسوبة أو تجييش في وقت مرمى العاصفة.