العالم الذي نعيش فيه مهرجان، وهناك توازن بيئي، إذا مات أو ضعف صنف نشط آخر حتى إنني قرأت عن طبيبين من الألمان قاما بدراسة عجيبة على الجثث، بسبب مشاكل الطب الشرعي وتحديد وقت الوفاة، فوصلا إلى شيء عجيب من تعاقب التهام الجثة على يد فصائل منوعة مدربة كل في وقته مع تغير كيمياء الجثة، ليصلا إلى إحصاء ما لا يقل عن 500 نوع من الحشرات تتناوب على وتيرة الساعة في التهام الجثة بمضغ ومتعة، فإذا فرغ الفوج الأول من (الوليمة) جاء الفوج الثاني يكمل العمل حتى لا يبقى إلا عظاما نخرة، قالوا تلك إذن كرة خاسرة.


والمهم هو معرفة أي نوع من الفريق العامل على قضم الجثة فيمكن تحديد زمن الوفاة.


ومما قرأت مؤخرا عن إخراج أعظم عمل من نوعه حول دراسة النمل الذي يزيد عن 28 ألف نوع، ومن يرى في بيته نملتين فليعتبر أن بيته (مسكون) بالنمل ولا خلاص منه ولو قتل كل يوم قبيلة، لأن ملكة النمل تنتج يوميا 29 ألفا من النمل الجديد، وفي حياتها الممتدة في المتوسط عشرين عاما تنتج شعبا كاملا من النمل يصل إلى حواف 150 مليون نسمة!





وحاليا يقوم (أبو النمل) ويلسون أوزبورن الذي تجاوز الثمانين بالتعاون مع فريق شاب من الباحثين منهم سعوديون وإيرانيون، بوضع انسكلوبيديا الحياة، عن كل طائر وحشرة، وقملة ونملة، وفيروس وجمرة، قد تصل إلى أكثر من 180 مليون صفحة في الإنترنت، ويقول: يجب إنجازه بسرعة، لأنه لا يمر يوم إلا وقد هلك بحماقة البشر كائنات لن نراها بعد اليوم.


والحيوانات والحشرات المذكورة في القرآن كثيرة؛ من البقرة والهدهد والنحلة والنملة والذبابة والبعوضة، وحية موسى فولى منها هاربا ولم يعقب، يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين.


وكل كائن له قصة بديعة؛ فالبقرة تذبح ليضرب بها جثة ميتة فيدل على الفاعل. والهدهد الحكيم يعطي النصائح لسليمان الحكيم. والنحلة يُوحى لها بإذن ربها أن تتخذ من الجبال بيوتا ومما يعرشون. والنملة تعظ قومها بسرعة الابتعاد عن جيش يدب في الأرض يهرس ويدعس وهم لا يشعرون. والذبابة موضع تحدي أن يخلق مثلها، ضعف الطالب والمطلوب، وهي آية في الأيروديناميك، يتمنى الطيران في العالم أن يوجد طائرة رشيقة مثلها للحط والعلو. أما البعوضة المزعجة فيضرب القرآن فيها المثل وليس من كائن تحتها، فلا يستحي الرب أن يضرب مثلا بعوضة فما فوقها، والفرق هائل بين الذباب والبعوض، بوضوح اللون ولحسه الجلد تنظيفا ونومه مثل بني آدم، أما البعوضة فهي دراكولا الليل تنقل المرض وتشفط الدم وتطرد النوم ولو كانت واحدة في غرفة النوم.


وأما العقرب الذي لم يذكرها قرآن وتوراة وإنجيل وزبور فهي آية، سكنت الأرض من 500 مليون سنة، وفيها من الصفات ما لفت نظر العلماء على الاستفادة منها، فبعد تجربة تفجير السلاح النووي الفرنسي في 13 فبراير عام 1961 في صحراء الجزائر، اكتشف العالم فيشون أن عقارب الصحراء لم ينلها التعب والإرهاق والحريق النووي بعطب؛ فوضعها للدراسة ربع قرن، ليخلص بخمس حقائق عجيبة؛ إنها أزهد من فقراء الهند؛ فيمكن أن تصبر صوما ثلاث سنين عددا فلا تتناول وجبة وماء. وإنها تصمد لدرجات الحرارة في حدودها القصوى فإذا وضعت في البراد أياما ثم بعدها في حرارة 60 قفزت للدغ وكأنها كانت في نزهة.


وتتحدى الغواصين؛ فيمكن أن تبقى بدون هواء وأكسجين تحت الماء يومين كاتمة الأنفاس، وإذا وضعت في وسط يضم أعتى الفيروسات والجراثيم لعبت فيه كأنه في الحمام. وأخيرا وهو الأهم صمودها للأشعة النووية أقوى منا البشر بثلاثمئة مرة، مما حرض العلماء على محاولة فهم مصلها الداخلي ونقل تقنيته لمصل البشر في حرب ذرية قادمة.