هذا سؤال مهم وكبير ليس الهدف منه أن يضطرب الغرب كما يضطرب عالمنا العربي.. ولكن أن نستقر كما هو مستقر..
كانت المشكلة الأزلية في عالمنا هي مشكلة فلسطين واتضح أن استمرارها وتفاقمها هو بسبب سياسات الغرب المتحيزة والداعمة للمحتل ومساعدته في الضرب بكل الأعراف والقوانين والقرارات عرض الحائط والاستمرار في ممارسة عدوانه..
واتضح أيضا أن الحل هو أن يمارس الغرب سياسات عادلة تجاه الفريقين في المنطقة ويدفع بهذه السياسات بقوة.. وإذا لم يتم ذلك فستبقى الأمور كما هي.. فمع آخر عقد من الألفية الثانية وأثناء العقد الأول من الألفية الثالثة أخذت الأزمات في عالمنا أبعاداً جديدة زادت من اللهب المشتعل في منطقتنا وتمثلت تلك الأحداث في غزو الكويت ثم ما تبعه من تبعات أدت إلى ما نراه في العراق.. ثم أفغانستان وباكستان وفي بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة أخذت الأزمات في منطقتنا منحى آخر تمثل فيما نراه في تونس ومصر واليمن وليبيا.. كل ذلك سيجعل من عالمنا عالماً ملتهباً مضطرباً نخشى أن يتسبب استمراره في فقدان أمننا واستقرارنا والحفاظ على مكتسباتنا كعرب، فاستمرار الاضطرابات سيؤدي إلى رجوعنا للوراء عهودا عديدة لاسمح الله ولا قدر.
الأمر في غاية الجدية وغاية الخطورة ولا بد من وضع آلية لعلاج أسباب هذا الاضطراب الذي يشهده عالمنا وكيف الخلاص منه، كي ينعم عالمنا بالاستقرار الذي ينشده ويستحقه.
فيما يتعلق بمشكلة فلسطين لا بد من تطبيق سياسات عادلة من قبل الغرب وأمريكا تحديداً. وإن المتتبع لما يطبق من سياسات في هذه القضية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ليصاب بالاستغراب أن تقوم دولة قانون معروفة بالعدل والإنصاف وتطبيق العدالة وتتخذ الانحياز موقفا في هذه القضية.. الأسباب لاشك معروفة ومراكز السيطرة والنفوذ في هذه القضية التي تسبب الانحياز معروفة.. وقد يكون الحل في تكتل المنظمات الإسلامية والعربية كمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي، والتحرك لمواجهة موضوعية وحازمة وصريحة وجادة لمواجهة هذا التحيز، لحمل الغرب على تغيير سياساته وحلحلة الموقف الأمريكي المتحيز خاصة.. وحل القضية الفلسطينية سيكون سبباً مفصلياً في المساعدة على استقرار المنطقة ويحول دون مزيد من التطورات التي تشهدها ويعمل على عدم تفاقم الأمور ويجعل الولايات المتحدة ذات مصداقية فيما تقوله وتعمله. وقبل ذلك لا بد من حلحلة ما يجري بين القطبين الفلسطينيين أولاً ثم يتبعها اتخاذ سياسات محددة وحازمة تجاه الانحياز في السياسات المنتهجة في هذه القضية.
إذا لم يتم العمل على الوصول إلى حل عاجل لهذه القضية الأزلية ستختلط الأوراق وسندخل مرحلة أزمات كثيرة واحدة بعد أخرى. فما مشكلة العراق وأفغانستان إلا نتاج هذه القضية وكلها كان العامل المشترك فيها الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها المنحازة. فالواضح من خلال استمرار الاضطرابات لهذه السنوات الطويلة أن السياسات المطبقة في هذه الأجزاء من عالمنا سياسات لم يثبت نجاحها ومئات الآلاف من المسلمين يقتلون في هذه البقع من عالمنا.
كانت بداية غزو العراق بسبب وجود أسلحة دمار شامل.. ولم توجد.. وتطبيق الديموقراطية لم يتحقق وتقديم خدمات الصحة والتعليم والكهرباء لم يتم شيء منه.
وفي أفغانستان ورغم مرور وقت طويل إلا أنه لم يتحقق الاستقرار ولا الأمن ولا الخدمات.. ولم يلمس المواطن في تلك البقع من العالم ما كان يتوقعه من عدالة وأمن وخدمات بل تدمير وتقتيل لعشرات الآلاف. وتستمر الاضطرابات ويستمر التقتيل وتستمر السياسات.
إن بلداً يدعي الحرية والديموقراطية والعدالة يجب أن يتوقف قليلاً عند ما يسميه "الحرب على الإرهاب" إذ بسبب سياساته ازداد الإرهاب والشواهد على ذلك كثيرة. والمطلوب منه انتهاج وتكريس سياسات مبنية على الحوار وتكريس العدالة والعمل على ما يضمن تقديم الخدمات التي ترتقي بمستويات الشعوب.. للوصول إلى قلوب الناس ومحبتهم له بدلاً من سياسات تزرع الكراهية والبغضاء تجاههم..
وفي بداية لاختلاط الأوراق وتفاقم الأزمات في منطقتنا يحدث ما نشهده في بعض الدول العربية مؤخراً بدءاً بتونس ثم في مصر والآن ليبيا.. وقد ثبت من الأحداث أن أسباب ثورة الشعوب واضحة. فالبطالة والاستبداد وانعدام الحريات والفساد كانت المحرك الأساسي لهذه الثورات وقد ثبت أيضاً أنه مهما طال تحمل الناس فإنه لن يستمر. وبعد كل أزمة نشهد تحولا في مواقف الغرب من حليف استراتيجي إلى موقف مضاد. فلماذا هذا التحول المفاجئ؟ ليس ذلك بالطبع انعدام رؤية.
صحيح أن السبب فيما يجري في بعض بلدان العالم العربي اليوم بسبب البطالة وفقدان الحرية والشفافية وانتشار الفساد لكن اتخاذ سياسات تساعد تلك الدول على القضاء على مشكلاتها سوف يضمن الاستقرار، ويضمن الأمن ويضمن عدم تفاقم الأمور، ويحول دون اختلاط الأوراق مما يؤدي في النهاية إلى الاستقرار. سياسات الغرب لها دور فيما يحدث في عالمنا ولنا دور أيضاً. والأفضل لكلا الطرفين إعادة الحسابات وإقرار سياسات عادلة تكرس القيم العالمية التي نؤمن بها جميعاً.
إن مناقشة هذه الأمور لم تعد ترفاً بل ضرورة. مصالحنا في عالم اليوم مشتركة وما نعاني منه في منطقتنا سوف يؤثر على جميع العالم في حال تفاقمت الأمور. منطق القوة والجبروت والتقتيل الذي نلمسه في سياسات الغرب ثبت أنه لم يعد مجدياً.
فهل حان الوقت لكي تُنتهج سياسات قائمة على العدل واحترام الشعوب لمنع تفاقم الأمور ووصولها إلى ما لا نريده لمزيد من الاستقرار؟ دعواتنا بذلك ودعواتنا بعالم يحفه الأمن ويسوده الاستقرار وتلفه الطمأنينة.