تناقلت وكالات الأنباء مؤخرا خبر اكتشاف ثروات معدنية ضخمة في أفغانستان تتجاوز قيمتها تريليون دولار (بعض الجهات قالت إن الرقم أكبر بكثير)، وهذا بالطبع يوفر فرصة هامة لكل من كابول وواشنطن لتغيير طريقة التعامل مع الملف الأفغاني من حرب ضد التمرد المسلح، كما هو حاصل حاليا إلى تنمية مستدامة يتم التحكم بها محليا. وقد نشرت مؤسسة "نيو أمريكا فاونديشن" في شهر يونيو الحالي تقريرا حول الأثر الذي قد يلعبه اكتشاف الثروة المعدنية الأفغانية في مجريات الحرب وتطورات الأحداث في المرحلة المقبلة. يقول التقرير إن التوجه نحو تحريك مسار التنمية في أفغانستان يعطي حكومة الرئيس حامد قرضاي وإدارة الرئيس باراك أوباما الإمكانية لتفعيل عدد من المصالح المشتركة في جنوب ووسط آسيا ووضع أفغانستان والمنطقة على الطريق الوحيد الممكن إلى الأمن والسلام ـ رفع الازدهار الاقتصادي في المنطقة بشكل عام. الموارد الطبيعية نعمة إلهية إذا أُحسن استغلالها، لكنها قد تتحول إلى نقمة في بعض الأحيان. بالنسبة لبعض الدول تستطيع الحكومة والمؤسسات المدنية القوية أن تدير الثروات الطبيعية بحيث يستفيد المجتمع بشكل عام، ويتم استثمار الأرباح في الموارد البشرية في البلد. هذا هو الحال مثلا في الولايات المتحدة وكندا والنرويج وبريطانيا وبعض الدول الأخرى. لكن الأمر يمكن أن يكون مختلفا في بعض الدول الضعيفة والدكتاتورية. فقد تسبب اكتشاف الثروات الطبيعية في الكونجو مثلا في اندلاع حرب لا تزال مستمرة منذ 15 عاما. كما أن ثروة أنجولا النفطية تسببت باندلاع حرب أهلية على مدى عدة عقود. وأدى موقع العراق الاستراتيجي وثرواته الطبيعية إلى قيام دكتاتورية شجعها الغرب في البداية ثم قام بتدميرها وتدمير البلد بشكل مأساوي فيما بعد. لذلك فإن السؤال هو: كيف يستطيع الأفغان أن يستغلوا هذه الثروة الهائلة في الوقت الذي يضعون فيه الأسس من أجل مستقبل آمن؟ الخطوة الأولى هي عدم انتظار شركات التعدين حتى تبدأ. هذا الاحتياطي الكبير يوجد فرصة مباشرة لاستغلال الثروة المعدنية كضمان لتأمين التمويل اللازم لنشاطات التنمية الرئيسية التي يجب البدء بها مباشرة. إذا تمت هذه الخطوة بشكل مناسب، يمكن للاقتراض بضمان الثروة المعدنية أن يوفر آلية تساعد أفغانستان على تجنب ممارسات التعدين غير المستدامة التي يمكن أن تسبب أضرارا بيئية كبيرة على المدى البعيد.
ومن المهم أيضا البحث عن مصدر التمويل المناسب بدلا من وكالات التنمية التقليدية التي تقدم التمويل وتضع شروطا ذات نتائج عكسية على مشاريع التنمية، يمكن للحكومة الأفغانية أن تسعى إلى الحصول على قروض بضمان أصول معدنية ملموسة، بدلا من الحصول على تمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو وزارة الدفاع الأمريكية وكل ما يأتي معها من متعاقدين ومستشارين بشكل إلزامي، يمكن للحكومة الأفغانية أن تتقدم إلى بنك الاستيراد والتصدير أو شركة الاستثمارات الخاصة في الخارج من أجل الحصول على التمويل اللازم. ولتجنب الفساد يجب أن تضع كابول هذه القروض في حساب ضمان محلي شفاف يُستخدم لأغراض برامج التنمية الهامة. هنا أيضا التوقيت أمر جيِّد. في مُلحق لبرنامج السلام وإعادة الاندماج للحكومة الأفغانية نشر في أبريل اقترحت حكومة الرئيس قرضاي برنامجا هاما يحتاج بالضبط إلى مثل هذا التمويل الثابت بعيد المدى. من المفيد أن يشارك الشباب في برامج التدريب والتعليم والتأهيل من أجل الانخراط في سوق العمل، لأن تأمين فرص عمل لهم في مشاريع تنمية هندسية وزراعية صغيرة ومتوسطة أمر أساسي للسلام. ومن خلال استيعاب أعداد كبيرة من الشباب وتقديم التدريب والتمويل لهم بشكل مناسب، يمكن أن يقدم البرنامج بديلا قويا بقيادة أفغانية يصرف الشباب عن الانضمام إلى حركة طالبان، في الوقت الذي تستمر فيه الجهود على جميع الأصعدة لتفكيك حركة طالبان وتحسين إنتاجية أفغانستان بشكل عام. هناك مقولة في أفغانستان بأن طالبان تبدأ عندما تنتهي الطرقات ومرتبات الشرطة. من خلال التركيز على التحديين الرئيسيين اللذين يواجهان هذا البلد الزراعي، الطرقات وفرص العمل، يمكن للمشروع الأفغاني أن يقلب الموازين ضد حركة طالبان من خلال إثبات أن الحكومة الأفغانية قادرة على تلبية حاجات الشعب الأفغاني قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى دون أن يتطلب ذلك تدخلا أمريكيا بلا نهاية. وعلى المدى المتوسط، استخدام هذا القرض بضمان ثروة البلد المعدنية يمكن أن يوجد الرابطة المفقودة في التنمية الأفغانية: تقليص الاعتماد على تمويل الدول المانحة في الوقت الذي يتم فيه توحيد برنامج التنمية تحت قيادة الحكومة الأفغانية. حاليا تقوم فرق إعادة الإعمار المؤقتة وبرنامج الاستجابة الطارئة للقادة العسكريين بتوفير الجزء الأكبر من التمويل اللازم للتنمية في البلد. المشكلة هي أنها تخلق أيضا حكومة موازية تفاقم ظاهرة الفساد والارتباك في أفغانستان. من خلال الانتقال إلى برنامج موحد باستخدام البرنامج الأفغاني المقترح كمؤسسة موارد بشرية يمكن للحكومة الأفغانية أن تحل عددا من المشاكل بتصميم واحد. في النهاية يقول تقرير (نيو أمريكا فاونديشن) إن مقاربة مستديمة تعتمد على العنصر الأفغاني للتنمية المعدنية هي أيضا في مصلحة الولايات المتحدة. النجاح في أفغانستان سيعتمد على أن يجد الاقتصاد الأفغاني الناشئ مكانه في منطقة جنوب ووسط آسيا ويساهم في ازدهار هذه المنطقة. إن قيام كابول باستخدام الثروة المعدنية المكتشفة في تمويل التنمية الاقتصادية في أفغانستان يعيد مستقبل البلد إلى أيادي الشعب الأفغاني، وهو وضع سيساهم في تعجيل عودة الجيش الأمريكي إلى بلاده بسلام.
مؤسسة (نيو أمريكا فاونديشين):
مؤسسة عامة تأسست عام 1999، وهي غير ربحية، مركزها واشنطن، ولديها حضور في كاليفورنيا أيضا.. تستثمر المؤسسة في المفكرين الجدد والأفكار الجديدة حول التحديات المستقبلية للولايات المتحدة، وتركز على الأبحاث التي تتناول حل المشاكل الاقتصادية والمعلوماتية للقرن الـ21.