واستكمالاً لحديث الأمس، نحن لسنا في عين العاصفة بتوصيف الراحل الكبير غازي القصيبي يوم امتحان حرب الخليج ولكننا في مرماها، وللعقلاء فقط يجب أن نكون على قدر المرحلة. والذي يلمح قناة (العالم) يدرك أن الأمر من أولئك القوم وراءها أصبح واضحاً بلا أكمة تخفيه. لماذا يحتفلون بمثل هذه الزفة الهائلة إذا كانوا رسمياً يقولون إننا إخوة جوار وعقيدة ويتغنون بحجم العلاقة بين بلدين؟ ومرة أخرى فإن أمن 27 مليون مواطن ومقيم لا يمكن أن يكون رهن البيانات والموقعين. حياة هذه الملايين ووقائع يومهم ومستقبلهم يجب أن تكون أثقل وأعمق من مغامرات يعرف الجميع نتائجها ولا يجهلها إلا بلداء التاريخ.
ما الذي سيفعله أصحاب المغامرات وموقعو البيانات ومحرضو قنوات الفضاء والإلكترون حين يكتشفون أن سواد هذه الملايين الأغلب الأعم يشربون في اليوم الواحد مليوناً ونصف المليون طن من مياه البحر المحلاة؟ وماذا سيقولون لهذا الشعب إذا اكتشفوا غداً خطورة ما يفعلون أمام هذه الملايين وهم يعبثون بالمغامرات في أخطر ما يواجهه شعب وفي أسهل ما يمكن أن يهدد الأمن الحياتي لشعب؟ ما الذي سيفعله أصحاب المغامرات وموقعو البيانات في حق 27 مليوناً ونحن نعلم تماماً تماماً ولا يخفى ذلك على فرد أن كل هذه الصحراء لا تنتج لأهلها سوى فسائل النخيل وأن كل لقمة على موائد هذه الملايين في كل قرية وهجرة ومدينة ومنطقة لا تصل إلينا إلا عبر آلاف البواخر القادمة إلينا من كل حدب وصوب؟ ما الذي سيقوله أصحاب هذه المغامرات من موقعي البيانات ومن محرضي التجييش لسبعة وعشرين مليوناً في هذا الوطن إذا اكتشف هذا الشعب أن طاقته الكهربائية وحدها تستنزف في اليوم الواحد ربع مليون طن من الوقود؟ وماذا سيقولون إن انتهت هذه المغامرات بالظلام بكل ما له من ذيول وكوارث؟ ماذا سيقول هؤلاء لشعب كامل حين يكتشف سبعة وعشرون مليوناً أن كل قطعة من حياتهم وفي حياتهم من حبة الأسبرين إلى صنبور الماء مروراً بكل ما في حياة هذه الملايين وعلى أجسادها وبدواخلها، لم تصل إليهم إلا بشراكات مع كل هذا العالم المفتوح لنا على مصراعيه ثم يغامرون بقفله دون حساب لما هو معلوم يرموننا إليه في المجهول؟ أمن وحياة الشعوب أثقل وأعمق من هذه المغامرات ومن كل هذا العبث والطيش، وغداً نكمل.