كيف سيصبح حال العقيد معمر القذافي هذا اليوم، ونحن أمام دروس وعبر كثيرة من فشل حكمه لليبيا طوال 42 عاما؟ في جميع الأحوال لن تفيده هذه الدروس الآن ولذلك لا أتوقع أن يسأل القذافي نفسه هذا السؤال: لماذا حدثت الثورة وكيف نجحت بهذه السرعة؟ في بداية يومي الثورة، لم يتخيل أحد أنها سوف تنجح. فقد قالت عنها بعض الصحف الإنجليزية إنها انتحار للشباب نظراً لهيمنة وتسلط النظام. رغم ذلك نجحت وكانت أسرع من التوقعات لسبب بسيط وهو أن العقيد القذافي كان لا يريد أن يصدق أن تداعيات ما حدث في تونس ومصر قد وصلت إلى شعبه.. وهو لا يريد أن يقتنع أنه كان السبب!
منذ بداية تولي القذافي للسلطة عام 1969 م ظهرت على شخصيته سلوكيات غريبة تراكمت على مرالسنين ليستدل منها المحللون الآن وخلال هذه الثورة خاصة بعد خطابه الثاني، أنه يعاني من توترات نفسية. فالملابس الغريـبة وحمل النياشين والألقاب الخيالية مثل عميد الحكام وملك ملوك أفريقيا والقائد والمحرر، تبدو أقل خطورة من تصوراته أنه هو الوحيد الذي بيديه حل مشاكل البشرية.. وأن دول أفريقيا والعالم الإسلامي واللاتيني والعالم أجمع في أمس الحاجة لحكمته وعبقريته وأنه (كبير) على الدول العربية! ومن أجل ذلك سمح لنفسه بالاستعانة بالمرتزقة لقتل شعبه لكي يقول للعالم إنه الأخ القائد.
أفرزت هذه التصورات وهماً كبيراً جعله يؤمن أن ما يفعله هو الصحيح (ما أريكم إلا ما أرى) وما على أجهزة الدولة إلا تنفيذه لأنه صادر من القائد الملهم المنتصر. ولأجل ذلك، أعطى لنفسه الحق في إزاحة جميع المعترضين. فهو الأوحد الذي يقررالسياسة والاقتصاد والتعليم وشؤون الدين ويتدخل في أصل اللغة العربية واللاتينية فيخترع أصولاً جديدة لشخصيات ومسميات سياسية. وهو الذي يكتشف الفرق بين الرجل وبين المرأة. وفوق ذلك هو الذي يملك حق توزيع ثروة الشعب الليبي على مشاريع الوحدة وصناعة الحروب في الخارج في الوقت الذي يعاني فيه شباب ليبيا من البطالة.
رغم ما فعله العقيد القذافي طوال فترة حكمه الماضية ورغم تهديده خلال هذه الثورة بالحرب القبلية وحرق البلاد واستخدام فزاعة الدين، فإن الشعب الليبي قدم على الأقل درسين لحاضر الشعوب العربية: الأول، أن الانتماء الوطني أقوى من كل الانتماءات المناطقية والقبلية. وفعلاً اجتمعت قبائل ليبيا العربية والبربرية والأمازيغية والطوارق نحو تحقيق هدف واحد وهو عودة الكرامة والعدالة والحرية لمجتمع ليبيا العربي المسلم . الثاني، أن الشعوب هي الدعامة القوية لأي نظام عندما يحترم أبناء وطنه ويوفر لهم سبل العيش الكريم ويطمئنهم على حياتهم . وفعلاً لو أن القذافي تحالف مع شعبه منذ أربعين عاما لسهل العلاج.