تبدلت أسماء الأحياء الشعبية مؤقتاً في مدينتي الحسكة وحلب (شمالي وشمالي شرقي سوريا) خلال مباريات مونديال جنوب أفريقيا وسميت بأسماء المنتخبات التي يشجعها كل أفراد الحي، وصبغت أيضا بألوان أعلام بلدان تلك الدول، وليس غريباً أن تجد هنا حي الأرجنتين وهناك البرازيل وتحاذيها حارة ألمانيا وهكذا.

ولا يقتصر الأمر على هذا الحد من التشجيع، بل يتعداه إلى الحشود الهائلة من المشجعين في كل حي، التي تحاول النيل من عزيمة جيرانها في الأحياء المجاورة بالهتافات الحماسية، ولم تجد هذه الظاهرة استغراب السكان القاطنين في تلك الأحياء كون أغلب أبنائهم يشاركون فيها وتشكل جواً اجتماعياً جميلاً.

وفي مدينة دمشق، تحولت حواف نهر بردى إلى مكان يجلس فيه متابعو الشاشة العملاقة في أرض مدينة ساحة المعارض، إضافة إلى الأماكن المخصصة لهم والتي عجزت عن استيعابهم رغم المساحات الواسعة، وكانت ظاهرة محببة في أمسيات مدينة دمشق التي تتميز بهوائها العليل وجمعت شرائح مختلفة من المجتمع لمتابعة مباريات المونديال، في الوقت الذي أسعدت فيه وبشكل أكبر الباعة المتجولين على العربات الذين يبيعون الذرة والبليلة والترمس والمشروبات الباردة والساخنة والأراجيل وأكياس البطاطا (الشيبس).

في حين يندب عمال النظافة حظهم العاثر في الصباح معلنين كرههم للمونديال بسبب الجهد المضاعف الذي يبذلونه من أجل تنظيف الأرض من الأوساخ والأوراق وأعقاب السجائر، ويقول أحدهم "ليته لم يكن.. هذا هو الجنون بعينه".

وفي حي اليرموك، احتكم عدد من الشباب إلى عضلاتهم ومقاعد المقهى التي يجلسون عليها من أجل ترجيح كفة كل منهما على الآخر حول أحقية المنتخب الذي يشجعه، ولم تنته المشاجرة إلا بعد تجمهر سكان الأبنية المجاورة الذين شهدوا جولة من القتال الفردي والجماعي إلى جانب حضور الشرطة التي هددت بإغلاق المقهى في حال تكررت المواجهة، وكتبت تصريحا على المتشاجرين بعدم تكرار ذلك.

واضطر أوس عاشور، إلى توزيع الحلوى مكرهاً ضمن خدمات المقهى الذي يديره في سوق ساروجة، بسبب خسارته للرهان مع خطيبته وعدد من رواد المقهى من أصحابه عقب خسارة فرنسا وخروجها من الدور الأول، حيث كان يراهن على تأهل "الديوك" إلى دور الـ16 لكنه خسر وخرج من البطولة.

أما أم كريم التي تثقل الهموم كاهلها وتعاني من مرض والدها، فلم تتوان عن الخروج مع أخيها حسيب القادم من قبرص وبصحبة ولديها كريم ورشا إلى مطعم باباي المكتظ بالمتابعين للمونديال عبر شاشة عملاقة للوقوف مع فريق البرازيل والخروج من الجو الذي تعيشه، معللة ذلك بأنها فرصة للفرح قليلا رغم مرض الوالد الشديد، ولكنها اصطدمت بعدم قبول ولديها تشجيع البرازيل حيث يشجع كريم إسبانيا وابنتها تؤازر الطليان، ورغم أعباء العمل والحياة اليومية فهي تتابع المونديال بدقة تامة.

أما السيدة منار (أم جاك) التي تتقاسم مكان العمل مع زميلتها أم كريم، فهي ترفض هذه النقاشات الكروية في العمل، لأنها "هراء لا طائل منه" على حد وصفها، لكنها في المنزل تضطر للرضوخ لرغبة ابنها وابنتها اللذين يشجعان ميسي، وتشاهد معهما بعض المباريات، ووحدها تضطر لمسايرة الاثنين، وتستمع لهما وتفض مشاجراتهما الكروية في النقاش، وتبدو حيادية ومسايرة وتحتكم للغة الأرقام في أي نقاش كونها تتعامل معها بشكل يومي من خلال وظيفتها.