يجب أن نعترف بسطوة الإعلام الجديد.. الإعلام لم يعد فقط تلك المعلومات الواردة من التلفاز أو من الصحف أو من الكتب، ولكن الانفجار المعلوماتي الذي يشبه الانفجار الإشعاعي الضخم حوّل الكتل المعلوماتية التي تشبه الجبال إلى فيمتو شظايا تنطلق في كل مكان.
المعلومة الآن تأتي من الجهات الأربع، من السقف والأرض، من الباب والشباك، وتنوعت أشكال نقل المعلومة لتشمل مخترعات عجيبة مثل الإنترنت والجوالات ومواقع التواصل الاجتماعي، وأجهزة الاتصال التي تتطور كل يوم وكل ثانية.
الرقابة على المعلومات أصبحت في حكم المستحيل، ومحاولة حجب المعلومة أشبه بالوقوف أمام الطوفان، أو محاولة حرث البحر، أو المشي فوق الماء.
الإعلام الجديد كائن هلامي لا يرى بالعين المجردة، فيروس إيجابي يتنقل في الهواء لا يمكن أن تمسكه باليد، لن يوقفه أحد، ولو نجحت في حجب معلومة فلن تنجح في حجب أخرى، وسط كم معلوماتي رهيب يتدفق كالسيل. كما أن التقنية ستجعل جميع المعلومات في المستقبل القريب غير قابلة للمنع .. ستتسلل المعلومة في الهواء ، وتنفذ كالأشعة البنفسجية تحت مسامات الجلد.
لقد أصبح العالم بفعل الإعلام الجديد شاشة صغيرة، وأصبحت المشاجرة التي تحدث بين شخصين في بلد يتابعها "ON LINE" سكان العالم الكبير.
وبالطبع فإن لهذا التطور الهائل مزاياه، وله أيضا عيوبه، فالمزايا تتلخص في تعدد المعلومات، وما تتضمنها من ثقافة، تسهم في الوعي، والتطور، أما السلبيات فتكمن في وصول معلومات خاطئة مضللة للشباب والنشء. من هنا فإن علينا أن نواكب هذا الإعلام بإيجابياته وسلبياته.
الإعلام الجديد بما يملكه من مقومات وإمكانات هائلة يتطلب منا تكثيف الوعي بكيفية التعامل مع المعلومات، وتدريب الأجيال الجديدة على التفريق بين الجيد والرديء، المعلومة المفيدة والمغرضة.
لقد ظلت كلمة "التوعية" في الذاكرة الجمعية مجرد نشاط روتيني، ولكن "التوعية" تكتسب الآن أهمية خاصة، حيث يجب أن تتحول إلى مهمة وطنية، لأن التوعية هي سلاحنا الوحيد أمام الطوفان.
يجب أن نعلم أبناءنا السباحة المعرفية، لأن العالم الجديد لن يقبل إلا الأجيال المزودة بخياشيم وعي قادرة على مصارعة الأمواج والعواصف.
انتهى عصر المنع والحجب، ولن يجدي منع الأبناء من نزول البحر، ولكن الأجدى أن نعلمهم السباحة حتى يصلوا إلى شاطئ الأمان.