مرّ عليّ خلال الأسبوع الفارط خبرٌ تكرّر في عدة مواقع إعلامية حيال تصريحات منسوبة لسمو الأمير منصور بن متعب يقول فيها باستئناف الانتخابات البلدية خلال فترة قريبة. والجديد في الخبر أن المرأة ستكون مشاركة فيها، بدون أن أتثبت من حقيقة كنه هذه المشاركة النسائية إن كانت فقط بالتصويت أم بالتصويت والترشح.

كنت حفياً جدا بهذا التصريح؛ لأننا نعيش مرحلة المرأة السعودية في بلادنا، وقد باتت أسّ القضايا المجتمعية عندنا، واقترحت مراراً على أحبتي الدعاة؛ أن يبادروا هم بطرح المشروعات التي تراعي ما حصل لها من تقدم وتطور، وغشيان لميادين لم تك حاضرةً فيها، ومنها هذه الانتخابات التي هي حقّ لها بالتأكيد، فمن غير المعقول أبداً أن يعطى حق التصويت لرجل عامي في التسعين من عمره، وخارج الزمن والتاريخ، وغير مدرك ولا مميز أبداً لمجريات الحياة، وتحجب نساء عالمات ذوات عقول جبارة في تخصصهن، وبلغن العالمية في مجال دراستهن، ونحن ائتمناهن على تعليم بناتنا، فيما الملايين من السعوديات المتعلمات متوزعات على طول البلاد وعرضها يملأن الجامعات والمدارس والمستشفيات وغيرها من مرافق الدولة. لو توقف العقلاء من الممانعين عند هذه النقطة؛ لتبين لهم أنهم مخطئون في موقفهم.

كتبت مراراً في مقالات عديدة بأمنيتي بأن يستفيد التيَّار المحافظ من تجاربه الماضية، ومن تجارب المجتمعات القريبة منا، والحصيف العاقل يدرك بأنه من الأفضل له عدم الخوف والوجل والنظر بالريبة المعتادة، بل الصحيح خوض معركة المرأة بتقديم نماذجه النسائية المشرقة، والاستعداد لذلك من الآن بواقعية سياسية واجتماعية، فهذا خير من الصياح والبكاء على المنابر، ولتثقوا أيها الإخوة بأنه إذا ما أعطيت المرأة حقها الانتخابي، فوالله إن ذلك في صالحكم، لأن أغلب نساء مجتمعي هن من المحافظات، وسيعطين أصواتهن لمن يحمل همّ وطنه الحقيقي وولاءه لدينه وولاة أمره، ولا تغرنكم جوقة الأصوات النسائية النشاز التي تنبعث من تلك القنوات التغريبية، التي تنادي بالتحرر والسفور، فهي أصوات تكفي لملء حافلة واحدة من شركة النقل الجماعي، أما المحافظات والغيورات على مبادئ وهوية هذا الوطن؛ فهن يملأن بلادي بالطول والعرض.

ولأن للقضية جزءاً شرعياً مهماً؛ لن أخوض فيها وأحترم عدم تخصصي في الشريعة والفقه، بالرغم من قراءاتي المركزة لكثير من موضوعات المرأة الشرعية، ولن أخوض في قضية تحليل أو تحريم، تاركاً ذلك لسادتي العلماء الذين أثق بعلمهم وإخلاصهم وبوعيهم وحكمتهم في تقدير الأمور، التي من أجلها ينحاز إليهم مجتمعي المتدين ويرعوي للفتوى الشرعية في كثير من الأمور الحياتية والحمد لله، ثقة منهم بهذا الإخلاص والعلم والغيرة على مصلحة الأمة.

غير أن ذلك كله لا يمنعني من تقديم بعض الإشارات والرأي التي يمكن أن يفيد منها هؤلاء العلماء ورموز الدعوة في بلادي، وأن أبسّط لهم ما أراه صالحاً في هذا الشأن، خصوصاً في ما يتعلق بحراك المجتمعات وتجارب الآخرين من جيراننا، ونحن نسلك ذات السبيل التي سلكوها، متعمّداً التذكير ببعض المواقف الخاطئة التي وقفناها يوماً ما من قضايا ارتدت سلباً علينا، كي نعيَ دروسها في مستقبل النوازل والقضايا التي تدهمنا ليل نهار، لا نفيق من واحدة حتى نصحو على أخرى..

من هذا الباب، حرصت قبل خمس سنوات، وقد جمعني مجلس كريم مع الشيخ الدكتور خالد المذكور، أحد أبرز العلماء في الكويت الشقيقة، وتجلل ذلك المجلس بحضور علماء ودعاة غرر أمثال د. حمزة الفعر، ود. علي بادحدح وثلة طيبة، وابتدرت الشيخ خالد المذكور بسؤاله عن موقف التيار الإسلامي بكل أطيافه من مشاركة المرأة الكويتية في الانتخابات. أجابني برتمه الوقور وكلماته المتدفقات علماً: "أخي عبدالعزيز، انقسمنا في الكويت إلى ثلاثة أقسام حيال هذه القضية، فأما القسم الأول؛ فكان لا يرى مشاركة المرأة بالكلية، لا تصويتاً ولا ترشحاً. وكان القسم الثاني يرى جواز التصويت لها ولا يرى الترشح، والقسم الأخير انحاز لجواز التصويت والترشح".

أردفته بسؤال آخر وقد غلب عليّ فضول الصحافي: "ما نِسب العلماء والدعاة في كل قسم"، فأجاب بأن "الأكثرية كانوا في القسم الثاني". ولما سألته عن موقعه وموقع الشيخ الأكثر شهرةً وشعبيةً الدكتور عجيل النشمي؟ أجابني بأن "الشيخ عجيل كان يرى جواز التصويت والترشح، بينما هو شخصياً كان مع الرأي الذي يقول بالتصويت وعدم الترشح، وبرّر موقفه الفقهي بأن مجلس الأمة الكويتي هو من قام بخلع الشيخ سعد العبدالله وعيّن الشيخ صباح الأحمد، فبالتالي هو في مقام الولاية العامة، وهو مع الرأي الفقهي بأن المرأة لا تعيّن للولاية العامة". وأنهى إجابته بأن "تصويت وترشح المرأة قد أقرّه مجلس الأمة ووافق عليه رئيس البلاد فحسمت القضية بهذا الرأي لديهم في الكويت".

وعاد فضولي الصحافي يتقمصني لأسأله: "ولكن ما الذي فعلتموه أنتم العلماء في القسم الثاني الذين لا ترون الترشح بعد أن أقرّ هذا القانون؟ أليس من العقل والحكمة - يا شيخ خالد - عدم ترك المجال لنساء لا يحملن هوية الأمة وينحزن للغربي وفكره لكي يصلن إلى مواقع اتخاذ القرار والمسؤولية، بينما أخواتنا من التيار المحافظ يقبعن في البيوت ويحجبن من المشاركة بسبب فتواكم؟". أجابني حفظه الله: "ما قلته صحيح، وهذا ما فعلناه نحن العلماء الذين كنا ضد الترشح، فانتهى رأينا بأن القانون طالما قد أقرّ فمن المصلحة أن نكون مع الفريق الثالث".

أحبتي الشرعيين: العاقل من يتعظ بتجارب الآخرين، وثقوا أن من سيفيد من السماح للمرأة بالتصويت والترشح أنتم، وقبلكم هذا الوطن الساكن في أحداقنا أبداً.