قرن العولمة فرض نفسه بتحدياته على المجتمعات ومواجهته للعديد من صعوبات ومتطلبات الحياة الكريمة، كوجود التعليم النوعي، التخطيط السليم لسياسات التعليم، مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، الحد من ارتفاع معدلات البطالة.. ووزارة التربية والتعليم فاجأتنا بتعميم رسمي على إدارات التربية بجميع المناطق والمحافظات يفيد بضم الصفوف في المدارس الابتدائية التي لايتجاوز عدد طلابها وطالباتها 35 طالباً لتصبح ثلاثة صفوف دراسية بدلاً من ستة، حيث سيضم الصف الأول الابتدائي مع الثاني، والثالث مع الرابع، والخامس مع السادس، وبالتالي سيتم تقليص زمن الحصة لكل صف من 45 دقيقة إلى 25 دقيقة فقط.
ولأن التعليم اليوم لم يعد من كماليات الإنسان، بل هو من أهم أسباب وجوده أينما كان، فالقرار أراه غير منصفٍ، بل ومجحف من عدة اتجاهات، فالطالب هو أساسُ ومحور العمليةِ التعليمية، خاصةً في المرحلة الابتدائية المحتاجةً تأسيساً وتأصيلاً علمياً جيداً، ولأن زمن الحصة الدراسية الرسمي في هذا القرار سيتوزع بين صفين دراسيين في آنٍ معاً وداخل قاعةٍ واحدة، فهذا غير كافٍ أبداً لتدريس أية مادة، فالدرس الواحد مع المناهج المطورة يحتاج إلى حصةٍ كاملة وليس لنصفها! ولأن جُل المواد الدراسية تحتاج إلى تركيزٍ ورويةٍ لإيصال المعلومة فسيفقد الطلاب بذلك المقدرة على التركيز مما يؤدي إلى تشتيتٍ ذهني للمعلم والطالب في وقتٍ واحد، والمحصلة تأثيرٌ سلبي في التحصيل العلمي وخللٌ في مخرجات التعليم مما سيزيد الواقع الأليم تعقيداً.
والاتجاه الثاني أن أغلب الدارسين في المدارس التي لايتجاوز عدد طلابها وطالباتها 35 طالباً وستضم فصولها؛ هم من أبناء القرى والهجر والأحياء الناشئة التي تعد بكل تفاصيلها حاضرةً في تضاريس الوطن، وبيئتها لها سماةٌ خاصةٌ مختلفة ثقافياً واجتماعياً، وأبناؤها أحوج لالتفاتة تعليمٍ مكثفٍ عادل دون انتقاص منه أو انتهاك فيه.
وحكومة المملكة تتجه سياساتها واستراتيجياتها ضمن إطار خطط التنمية الوطنية المتوازنة لتوفير مقومات الحياة على جميع خريطة المملكة بمدنها وقُراها وهجرها ولتحقيق مبدأ العدالة لحقوق المواطن أينما حل على بقعة وطنه، وهذا ما أشار إليه نصاً الهدف الثامن في الخطة التنموية الثامنة للمملكة - المنشورة بنودها على موقع وزارة الاقتصاد والتخطيط الإلكتروني - بتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق السعودية وتضييق الفجوة التنموية فيما بينها.. وتقليل التباين بين المناطق من خلال تحفيز الاستثمارات على التوطين بالمناطق الأقل نمواً والتركيز على تبني سياسات وبرامج ومشروعات – من أهمها التعليم - لتغطي جميع المناطق.
أما الاتجاه الثالث؛ فهو تخفيض عدد المعلمين بالمدارس التي يستهدفها القرار إلى خمسة معلمين فقط بدلاً من تسعة، ليصبح نصاب كل واحد منهم 24 حصة، وسيقوم على ذلك نقل بعض المعلمين بعد الضم للاستفادة منهم في مدارس أخرى؛ وهنا وجب علينا تذكر أن البطالة اليوم نالت من عددٍ كبيرٍ من خريجي كليات التربية الباحثين سنين عن تعيينهم، فَلِمَ لا نستعين بهم بدلاً من تقليص أعداد المعلمين؟ لاسيما أن ذلك يلتقي هدفاً مع الأوامر الملكية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – عندما أمر مؤخراً بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الثاني لتقديم دراسةٍ متكاملة لتوظيف خريجي الجامعات المُعدين للتدريس.
وفي صُلب هذا القرار لديّ كرتان سأرمي بالأولى منهما في ملعب (مشروع تطوير التعليم) حول كيفية التقاء هذا القرار وسياسته واستراتيجياته في تزامنه مع تطبيق المناهج المطورة التي تحتاج إلى بيئةٍ تعليميةٍ عادلة؟
أما الكرة الأخرى فسأقذف بها في ملعب من شارك في صنع هذا القرار، وعن مدى رضاه عندما يدرس ابنه في مدرسةٍ بنصف تعليم؟
وقبل أن تصلنا الإجابة سنجزم بأنه لن يقبل لابنه الدراسة حتى في مدرسة حكومية بفصولها (الكاملة)!.