في وسط جدة التاريخية، تتكئ بعض البيوت القديمة المعروفة بـ (الأربطة) على ضفاف الذكريات، في محاولة منها للوقوف أكثر بعد أن تصدعت جدرانها ورواشينها وكأنها تخاف المغيب عن موقعها الجغرافي.

ولكن الأدهى والمدهش من ذلك أن هناك فتيات في عمر الزهور من بين سكان تلك الأربطة مازلن يحلمن بالمستقبل السعيد والميمون، أحلامهن الوردية في فرصة عمل يقتتن منها، وفي دورة تدريبية تؤهلهن لمواجهة الحياة.

الوطن رصدت العديد من الحالات الإنسانية التي تعيش في عالم مهمش داخل رباط باديب، وكانت البداية بفتاة لم تتجاوز 24 عاما "تحتفظ الوطن باسمها" أجبرتها الظروف على السكن داخل احد الأربطة، قالت والحزن والحسرة يفيضان من عينها: بعد طلاقي من زوجي، عانيت من تسلط زوجة أبي التي أصبحت تتفنن في تعذيبي، كما أن والدتي سافرت للعلاج بعد طلاقها، وبما أنها من إحدى الجنسيات العربية قام والدي بترحيلها إلى ذويها، فوجدت نفسي في وسط جحيم، فلم أجد وسيلة إلا الرباط كمأوى.

الغريب أنها رغم جسدها النحيل، لكن لديها إصرار على الحصول على وظيفة تمكنها من تأمين دخل شهري يغنيها عن أخذ صدقات المحسنين، مشيرة بمقدرتها على العمل، لكنها تفتقر لوجود دعم وأياد تنتشلها من واقعها المرير إلى واقع أكثر استقرارا وأمنا بدلا من غرفة لا تضم إلا حصيرة وثلاجة متهالكة، تكتفي فيها بوجبة واحدة طيلة اليوم.

في الغرفة المجاورة التي لا تفصل بينها سوى جدران آيلة للسقوط تجلس الخالة فوزية التي كان الغياب خطيئة وجريمة ارتكبت بحقها من قبل بناتها التسع اللائي تخلين عنها، وبقيت تصارع مرضا عضالا بدون أن يكون لها معين وسند يعينها على توفير أبسط متطلباتها، أمامها إبريق من الشاي وفتات من الخبز اللذان يعتبران قوت يومها ووجبتها الرئيسية.

بينما لا تختلف تفاصيل أحداث نجلاء محمد إحدى ساكنات الرباط منذ 8 سنوات لم تتجاوز 27 عاما تسرد قصتها وكأن الفرح خاصمها، وترعرع البؤس بجانبها وتقول بكل طموح: أحلم بإيجاد فرصة وظيفية تمكنني من العيش بسلام بعيدا عن أجواء الأربطة التي كرهت جرسها، حينما يطرق يؤذن بقدوم محسن بصدقة لهن، كما تحلم بوجود جهة تهتم بهن وتتيح لهن فرصا تدريبية.

من جهتها كشفت مديرة الأربطة النسائية بجمعية البر وفاء الشامي عن مشروع تكافل الخير، الذي يضم العديد من الفتيات والسيدات اللاتي لديهن حرفة يدوية تمكنهن من كسب المادة منها، وتحويلهن إلى قسم الأسر المنتجة لتحويل مشاريعهن أو إتاحة الفرصة لهن بإشراكهن في العديد من البازرات وعرض أعمالهن، حتى تتم الاستفادة من تلك الأعمال في الحصول على الكسب المادي.

وأضافت تم افتتاح أول دار للمسنات تابعة لجمعية البر بجدة وقامت الجمعية بتأثيثه بالكامل والعمل على استقبال المسنات وتقديم جميع الخدمات لهن، بالإضافة للغذاء والخدمات الطبية والصيانة وتوفير العمالة لتنظيف السكن والوحدات السكنية للمقيمات بها.

وذكرت الشامي أن هناك فكرة لاختيار الرباط المثالي، حيث تعتمد هذه الفكرة على ترميم السكن الحالي، أو إيجاد سكن جديد يتم انتقال الأسر إليه والعمل على تطوير هذه الأسر المختارة تعليميا واجتماعيا، ولكي تصبح أسرا منتجة، وحتى لاتبقى كأسر طالبة للمساعدة، وقد فازت دار مسنات الشربتلي باختيارها كدار مثالية لما تقدمه من خدمات طبية واجتماعية عالية المستوى لنزيلاتها.


البرقي: هناك خطة لإعادة بناء الأربطة المتصدعة

ذكر لـ"الوطن" مدير عام الأوقاف والمساجد بمحافظة جدة فهيد بن محمد البرقي أن عدد الأربطة النسائية التابعة لإدارة الأوقاف 10 والصالحة للسكن 3 وعدد الأربطة الآيلة للسقوط 7 ،مؤكدا أن هناك أربطة توجد في المنطقة التاريخية وتسعى الإدارة العامة للأوقاف والمساجد لترميم بعضها وإعادة بناء بعضها الآخر بالاتفاق مع أمانه جدة والهيئة العامة للسياحة والآثار، وسيتكفل بميزانيات البناء والترميم بعض المحسنين إضافة إلى ما يتوفر من رصيد لدى الادارة في ذلك.

وأكد أن إخراج الساكنات من الأربطة يخضع لنظام خاص بتوجيه من سمو محافظ جدة المبني على توجيه من أمير المنطقة وعبر لجنة مشكلة لهذا الغرض، أما إذا كان الرباط آيلا للسقوط فإن الإدارة تتكفل بإيجاد البديل للساكنات ولا يتركن هكذا من دون مأوى.


قباني: هذه الفئة الأولى بالاهتمام والرعاية

حثت عضو اللجنة الصناعية بغرفة جدة ألفت قباني القطاع الخاص على القيام بمسؤولياته كاملة تجاه سكان الأربطة، وطالبت بأهمية وجود استراتيجية واضحة لاحتواء هذه الفئة من المجتمع، التي تستحق العناية والرعاية في ظل الترابط والتلاحم الذي يجمع كل الموجودين على أرض مملكة الإنسانية.

ورفضت قباني بشكل قاطع أن يتم التعامل مع هذه الشريحة من خلال اجتهادات فردية.. مؤكدة على ضرورة أن يكون العمل وفق أسس منهجية ومؤسساتية تواكب العصر الذي نعيش فيه، حيث لا بد أن تكون البداية من خلال إنشاء قاعدة بيانات كاملة عن قاطني الأربطة، تحمل تفاصيل دقيقة عن أعمارهم وحالاتهم الاجتماعية والمهنية والصحية والتعليمية، ويتم التحرك بعد ذلك على أسس واضحة لمساعدتهم على التحول من فئة (معولة) إلى فئة (عائلة) حتى يصبح القادر صحياًَ منهم فردا منتجا يفيد المجتمع ويشارك في تنميته.