يرتكب البعض حماقات عندما يخلطون بين الرأي والسلطة. أي عندما يظنون أن رأيهم هو الصواب ثم يقومون بأفعال لفرض ذلك الرأي. أقول حماقات لأن الأمر يتجاوز الخط الأحمر ويصبح خطيراً عندما يفرض أي فرد أو جهة رأيها بالقوة متجاوزين النظام والسلطة. وتصبح سابقة خطيرة عندما تستخدم العصا لفرض الرأي. الرأي الآخر مطلوب والاختلاف في الرأي مشروع، لكن الاختلاف الذي نتحدث عنه هو اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد. بمعنى أن نختلف على كيفية الوصول للهدف لا على الهدف نفسه. يُفترض أن يُعرف أن رسم السياسات وتحديد الأهداف ليست مسؤولية فرد أو أفراد، ويُفترض أن يُعرف أنه ليس كل من اختُلِف معه في الرأي أنه يجب عليه حمل العصا وفرض رأيه بالقوة، ويُفترض أن يُعرف أن على كل فرد منا أن يكرس مبدأ دولة القانون والنظام، وأن هناك قنوات عديدة لعرض الرأي وإيصال كل ما يريد من رسائل وآراء تهدف إلى التطوير.

احتكار الحقيقة أمر خطير. لكن التعبير عن الرأي أمر مشروع، وهناك وسائل عديدة للتعبير عن الرأي وبأساليب وطرق حضارية نحافظ بها على علاقاتنا كأبناء وطن واحد، يهمنا جميعاً كل ما يكفل تطويره والحفاظ عليه. احترام الأنظمة واحترام السلطات أمر لا مساومة فيه، وقد نعبر عن أي رأي عن طريق مقالة نكتبها، أو كتاب نؤلفه ونعرضه في معارض الكتاب التي تعتبر مظهراً حضارياً لأي دولة أو مجتمع. وقد نكتب للسلطات مباشرة برأينا، وقد نلتقي بتلك السلطات مباشرة مهما علا مستواها، وهو أمر ممكن.

إن العالم اليوم يعيش عصر العولمة، وهو عصر العمل وعصر الإنجاز وعصر التحديات لا مكان فيه للكسالى والمتخاذلين، ويترتب على كل ذلك لحمة وطنية تعمل معاً يداً واحدة للبناء والتطوير، تقوم بإنجازات تكفل تقديم خدمات عالية المستوى في جميع مناحي التنمية، لتحقيق النجاح في عصر اقتصاد المعرفة والابتكارات والصناعات القائمة على اقتصاد المعرفة. إنه عصر فيه كثير من التحدي، وبعض ما نراه من ممارسات وتعاملات وفرض آراء يتعارض ما يتطلبه ذلك العصر. جهودنا يجب أن تصب جميعها في هذا المنحى، وأبناء الوطن الواحد يُفترض أن يصرفوا كل وقتهم في التفكير فيما يواجه أمم هذا العصر من تحديات. لدينا تحديات في التعليم، وتحديات في الصحة، وتحديات في الاقتصاد، وضياع وقتنا في ممارسات تدعو إلى الفرقة والتنابذ والإقصاء؛ فيه ظلم على بلادنا ومجتمعنا الذي ينتظر منا جميعاً العمل على مواجهة تلك التحديات.

يجب أن نبتعد عن مفهوم "أختلف معك في الرأي إذاً أنا ضدك" ونقترب من "رأيك خطأ يحتمل الصواب، ورأيي صواب يحتمل الخطأ"، وننتهج الأساليب الحضارية ضمن النظام وضمن القانون، لأخذ جزئيات الصواب من كل رأي، ونخرج برأي يمثلنا جميعاً، ويكرس لحمتنا ووحدتنا ومحبتنا. ونمضي معاً جميعاً نحو الحفاظ على مكتسباتنا ضمن مفهوم "اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية".

البعض منا لا يدرك خطورة ممارساته، ولا يدرك أين تؤول الأمور عندما يعمل بعضنا ضد بعض. أعتقد أننا كلنا في هذه البلاد فرداً فرداً نحرص على عقيدتنا ولا نريد لها بديلاً، والعاقل من يعرف أنه لا يجب أن يزايد أحدٌ على أحد في هذا الأمر.. والعاقل أيضاً، من يدرك أن تبني الوصاية بشكل فردي أو جماعي، واعتناق السلطة وتكريس الرأي الفردي، هو بالفعل خروج على النظام وعلى القانون ولا يخدم أي قضية، وفيه تفريق بين أبناء البلد الواحد، وخدمة للأعداء.

ليس هناك من يرى أنه لا توجد أخطاء، وليس هناك من يعتقد أنه لا توجد تجاوزات. الأخطاء والتجاوزات من طبيعة البشر. فالناس على وجه الأرض ليسوا ملائكة. لكن العاقلين يستثمرون أخطاءهم في الإنجاز والتطوير لا في التضاد والتفرقة. كل خطأ هو اكتشاف لطريق لا يؤدي إلى الحقيقة. نكتشف ذلك الطريق كثمرة من ثمار أخطائنا، ونبحث عن طريق آخر يؤدي بنا إلى الحقيقة التي ننشدها فنسلكه. هذا هو أسلوب الأمة المتحضرة، الأمة المتحابة المتكاتفة التي يحرص بعضها على بعض وعلى مجتمعهم ووطنهم. وأسلوب الأمة التي تخرب بيتها بأيديها هو محاولة لتصحيح الخطأ بشكل فردي بعيداً عن النظام.

أمام كل أمة عمل عظيم، وطريق شاق وتحد كبير، لا يمكن أن تصل إليه إلا وهي تفكر بشكل حضاري أثناء الاختلاف وأثناء الاتفاق. وهي دعوة لنا جميعاً لأن نعيد التفكير في طريقة تفكيرنا، ولننتهج طريقة التفكير الحضاري التي يتطلبها عصرنا، حتى نتمكن من مواجهة التحدي الذي نعيشه. لنكن يداً واحدة محافظين على عقيدتنا ووطننا وأنفسنا، مواجهين متطلبات عصرنا بوعي كامل، وحصافة متناهية وصولاً ببلادنا إلى ما نبتغيه لها جميعاً.