أكثر وصفٍ يمكن أن أصف به نفسي، في وسط ما أراه حولي من تسارعٍ عجيب في مجريات أغلب الأمور، وتباطؤ غريب جداً في بعضها الآخر هو؛ (أنا محتارٌ، وعنديَ أزمةٌ) ـ أرجو أن يعذرني أبو فراس الحمداني في اقتباسي بيتاً من أبيات رائعته: أراك عصي الدمع ـ. حيرتي وأزمتي ـ وربما غيري يشاركني ـ لهما دواعيهما (الخاصة) والمتعددة؛ منها خوض بعض غير السياسيين في أمور السياسة، حتى يظن الشخص البسيط أنهم يملكون طوق نجاته مما يئن منه.

تراهم يطالبون بالحرية، أو ما اصطلح عليه حديثاً بالدمقرطة ـ Demoacratia ـ المبنية عندهم بالدرجة الأولى على الانتخابات، متناسين أن درجة ثقافة الناس في هذا الأمر المطلوب، مازالت ضعيفة حتى الآن، وأن تأثيرات الآخرين وتدخلاتهم فيها قوية، وما أمر إرسال القوائم الذهبية، التي كانت ترسل إلى الناس عن الأذهان ببعيد.

سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك أمر الخلافة من بعده للشورى، وسيدنا الصديق ـ رضي الله عنه ـ اختار لمن يليه طريقة التعيين، وسيدنا الفاروق ـ رضي الله عنه ـ اختار لتنصيب من بعده طريقة الانتخاب، بعد أن وضع لها خارطة طريق، مبنية على آليات واضحة ومناسبة، تكفل لها النزاهة القصوى.

من أسباب الحيرة والأزمة أيضاً، طلب بعضهم إصلاح وضع العلماء، وتقوية كلمتهم. والحق أنه لكي يكون العلماء أقوياء مُصلحين، ينبغي أن يكونوا صالحين ـ. يقول شيخ الإسلام؛ الإمام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ : (لو صلح العلماء، لصلح الناس). ومن الحكم المشهورة: "كن صحيحاً، تكن فصيحا". والصلاح والصحة يقتضيان الالتزام بمكارم الأخلاق من أكل الحلال، والبشاشة، والزهد، وتذكر الحساب وغير ذلك من صفات مستحبة، كما يقتضي الصلاح والصحة كذلك البعد عن الإهمال، والبذاءة ـ فحش العبارة ـ ، والبذاذة ـ ابتذال الهيئة ـ ، والتطفيف، والتنفير إلى آخر القائمة السوداء من الصفات المذمومة.

أما دواعي حيرتي وأزمتي (العامة)، فمنها توالي الأفكار، وكثافتها ـ صارت تقليعة وموجة عامة؛ Modah ـ والاعتماد على الإعلام الاجتماعي؛ social media))؛ ـfacebook و twitter ـ في إظهارها، ونشرها مما أفقدها كثيراً من مضامينها، وأتعب متابعيها، لا سيما أن بعضها مكرر، وبعضها الآخر فيه تناقض.

شخصياً ـ ولأجل وضع النقاط على الحروف ـ لا أتفق مع فكرة الصعود بالطلبات والمعاريض، إلى أعلى الهرم، عبر استغلال ما يعرف بالباب المفتوح، فالحقيقة تثبت أنه لو قام ذوو الهيئات والأقدار، وأصحاب المناصب والمراتب بأداء واجباتهم الوظيفية، لأراحوا، واستراحوا.

كما أن الحقيقة ذاتها تؤكد على لزوم إشاعة الأنظمة بين الناس، حتى يعرفوا ما لهم، وما عليهم. كتبت ما كتبت لحرصي ـ مثل الضد والمع ـ على المصالح العليا للبلاد، ولست بمن يشكك في ولاء أي أحدٍ للنظام الأساسي للحكم، بجميع أبوابه الثمانية، ورجائي القوي يتلخص في لزوم أن نحرص كل الحرص على الابتعاد عن إثارة من حولنا من الناس، وأن نترك التحليلات والمفكرات الخاصة Agenda، وأن نستغل الأحداث التي تجري من حولنا في التركيز كل التركيز على المحافظة على التضامن، ولم الشمل.

غير معترض أبداً على المراجعات الجادة ـ بالطرق الصائبة ـ التي تنشد معالجة السلبيات، وتعزيز الإيجابيات، والابتعاد بالبشر عن أدنى المفاجآت، للوصول بهم إلى الارتقاء (المتدرج) في كافة مناحي حياتهم، شريطة ضمان كرامة الوطن، وعزة من يتنفس هواءه.