يوم الأربعاء قبل الماضي كانت لحظة تاريخية للشعب السعودي، تلك التي حطت فيها الطائرة السعودية الملكية معلنة وصول خادم الحرمين الشريفين إلى أرض الوطن، وهي لحظة بكل الزمن، فقد كانت تمثل عيداً كبيراً لكل السعوديين الذين اصطفوا رجالاً ونساء وأطفالاً في المطار وخارجه على امتداد كل الشوارع المؤدية إلى قصره تهتف وتحييه وهو يبادلها التحية بتلويحة المشتاق لأبنائه وبناته وإخوانه، فما هذا الحب العظيم النادر الذي أخرج هذه الآلاف لاستقبال عبدالله بن عبدالعزيز؟
لم يحُزْ عبدالله بن عبدالعزيز هذا الحب الغامر بجاهه أو بسلطانه أو بماله، كلا بل بالمحبة الكريمة اللامعة التي تشع على الناس في كل مكان بالخير والنور والبهجة الصافية.
فكرة الحب العظيمة هذه التي تجسدت لحظة وصول عاهلنا السعودي الكبير إلى البلاد بعد رحلة العلاج التي امتدت لثلاثة أشهر، تعيدني إلى لحظات عديدة ماضية كنت قد كتبتها بعد أن سجلتها في لقاءات الملك بأبناء شعبه وهو يزور هذه المدينة أو تلك القرية، في سائر وطننا الجميل، وحين يلتقي بالناس ويشاركهم لحظتهم أثناء زيارته لمجمع أو سوق تجاري أو منتجع سياحي أو أي مكان آخر، حيث تستقبله القلوب قبل العيون، وحيث يكون هو يكون الحبُّ في قمة أناقته وأوج حضوره.
وقد رأيت ولا أزال أرى الشباب في هذا البلد يزينون الجيوب الأمامية من ثيابهم، أي مكان القلب، بأجندات صغيرة تحمل صوره كأكبر دلالة على الحب (الاختياري) بين شعب وقائد.. وفي كل مكان يذهب إليه عبدالله بن عبدالعزيز يكون (الحب) طاغيا إلى الدرجة التي قد يُشاهد فيها هذا الحبُّ يفيض عن قلوب الناس، يخرج منها ويركض بفرحة طفل إلى ملك الحب عبدالله بن عبدالعزيز، يصافحه ويكتب على جبينه بحبر (القُبل) قصائد الشوق والوفاء والشكر والترحيب.
هل قلتُ عبدالله بن عبدالعزيز هكذا مجردا من (الألقاب) التي لا تكبر ولا تضيء إلا بسطوع الاسم في اسمه؟.. لأنه حين يختلط بالناس يصبح واحدا منهم، يعيش بهجتهم ذاتها.
ألم يبدد، ذات مساء، استغراب أحد السفراء الغربيين لمشاركته حفظه الله آلاف المواطنين رقصة (العرضة) على الرغم من أنهم كانوا مدججين بالسلاح؟ ودخل في وسطهم بدون أي حراسة!! لقد ردّ الملك عبدالله على تعجب السفير قائلا: "إن ما يربطني بهؤلاء المواطنين يزيلُ عني كل شعور بالتوجس".. والأمر كذلك فعلا. إن أيّ لقاء يجمعه بهم، هنا أو هناك، يبرز فيه عبدالله بن عبدالعزيز ملكاً لقيم المحبة والخير والنور والعطر والحق والصدق والنبل والطهر والجمال، قبل أن يكون ملكاً للجغرافيا.
وحين أكتب عنك يا عبدالله بن عبدالعزيز.. عن هذا الحب العجيب الذي يجمعك بالناس، كبيرها وصغيرها، هنا وفي كل مكان، فإنني لا أمدحك يا سيدي، كونك أكبر من الكلمات ومن المدائح: شعرها ونثرها ورسمها وأغنياتها ورقصاتها. عطرك أعلى أطول وأعبق وأكثف وأكثر بكثير من كل عطور اللغة.
عطرك يردّ الحق لأصحابه وينصر المظلومين على الظالمين، والكلمات تعجزُ، عطرك يمسح عن الحزانى دموعهم، ويسكت أنين الموجوعين، واللغة لا تقدر. عطرك (واقعٌ) والقصيدة حلم عطرك (فعلٌ) والحروف (قول)!!
إذن، سأمدحُ هذا الحب الذي رأيته يقفز من قلوب الناس ويهبُ نفسه بين يديك، يقبل قلبك، فيتعانقُ (الحبان)، يمتزجان، يلتحمان، يتحدان، ويشرقان بشمس الصدق والقوة والبناء، حتى إنني خلتُ تلك الآلاف المؤلفة التي انتظرتك واستقبلتك في المطار وفي شوارع الرياض والملايين من خلف الشاشات في وطني، الذين في جدة، والذين في غيرها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ووسطا وأطرافا، تخيلتهم جميعاً يخاطبونك ويقولون لك" لو كان في أيدينا لمنحناك حياتنا لتزيد بها عمرك...".
أنت ثروتنا الحقيقية يا سيدي..
نعم، أنت الثروة الأهم، واليوم الذي عدت فيه إلى بلادك سالماً كنا ونكون وسنظل بك أغنى الأوطان، لأن عافيتك وحياتك، بالنسبة لنا، بكل ثروات الدنيا وهباتها..
ها أنت، بوصولك إلى وطنك الأسبوع الماضي، ورؤيتنا لك بعد الغياب المر
فعانقنا نحن أبناء وبنات مملكتك
الفرحة الكبيرة المنتظرة
بإطلالتك المبهجة التي افتقدناها
طيلة الشهرين الماضيين..
وكأننا فقدنا أنفسنا..
كنّا استودعناك الله،
والله كبيرٌ لا تضيع ودائعه..
أضاء قلوبنا باليقين:
حتماً، وعمّا قليلٍ، سترجع
لتقفَ بيننا، كما نراك الآن،
شاهقاً وممتلئاً بالبهاء والوقار والكمال..
ها قد عدت أخيراً ولله الحمد..
وبثقة الفرسان
وتؤدة النبلاء
وحكمة الكبار
ستأخذنا إلى الغد الأجمل
الذي حلمنا به معك
مضيئاً وشامخاً بمنارة العلم
وتشرق، بعون الله،
على بلدك وشعبك،
بشمس الخير
يا وجه الخير