أدّت الثورة المصرية ـ فيما أدّت إليه ـ إلى ظهور المغيَّب من الأفلام السينمائية العربية، وهي الأفلام التي تصور الحياة في المعتقلات السياسية على اختلاف أزمانها، وطرائق المعالجة فيها، ونهاياتها.

قبل الثورة، كان الرقيب السينمائي يتعامل مع هذا النوع من الأفلام بحذر يكاد يصل إلى درجة "الفوبيا"، وهو حذر بدهيٌّ في ظل وجود رقابات موجهة.

كانت هذه الأفلام غائبة عن التلفزيون المصري الرسمي بجميع قنواته، فلم يكُ من الممكن عرض أفلام مثل "القضية 68" أو "المتمردون"، أو "إحنا بتوع الأتوبيس"، وغيرها من الأفلام التي تدور جل أحداثها في دهاليز المعتقلات، وغرف الاستخبارات المظلمة، على الرغم من أنها أفلام ممتازة من حيث المستوى الفني، والابتعاد عن "البهارات" التي تتركب من الأجساد العارية والقبلات الحارة.

قبل أيام، شاهدت فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"، من بطولة عبدالمنعم مدبولي، وعادل إمام، وشعرت بأن هذا النوع من الأفلام قادر على إيقاظ الإنسان في داخل الإنسان، ذلك أن الفيلم قائم على الكوميديا القاتمة، إذ تؤدي مشاجرة عادية في "الأتوبيس" إلى الاحتكام إلى الشرطة التي تلفق للمتشاجرين تهمة أمنية تقودهما إلى المعتقل.. وفي المعتقل، ذابت الفوارق الأيديولوجية، وانتفت أسباب الاختلافات التيارية، وكأني أنظر إلى ذوبانها الجميل في ميدان التحرير.

هذا النوع من الأفلام يعلّمنا أن "الرخاوة" السينمائية "رخاوة" وقتية ما تلبث أن تزول، وأن البقاء دائماً للأعمال الجادة التي تنطلق من قضايا الإنسان إلى الإنسان لتعيده إنساناً.