تباينت آراء المثقفين حيال نشاطات نادي الرياض الأدبي الأخيرة بعد أن أقام فعاليات متنوعة إلا أنها ظلت في نظر بعض الأدباء المراقبين خارجة عن النسق الثقافي المعهود وذهابها إلى مجالات اجتماعية وإعلامية.
كما أن رواد النادي لفت نظرهم تكرار بعض الأسماء في فترة وجيزة، واستغرب بعضهم إدارة رئيس النادي الدكتور عبدالله الوشمي لكثير من الأنشطة دون إتاحة الفرصة لمثقفين آخرين كما لاحظ بعضهم ما اعتبروه عشوائية في التنظيم وفي اختيار بعض ضيوف النادي المشاركين في أنشطته.
ورأى القاص مشعل العبدلي أن نشاط النادي فيما يخص الأسابيع الثقافية التي تنتظم في موضوع واحد، شيء محمود ويحسب للنادي حتى لو صاحب ذلك بعض الاجتهادات في اختيار الضيوف والمشاركين، مشيرا إلى ما سماه النزق الذي يصاحب المثقفين والمبدعين حيث يصعب التنسيق معهم وتحقيق رضا الوسط الثقافي. وبالمجمل أكد العبدلي أن هذه الأنشطة وإن كان بعضها لا يرقى للمأمول أفضل من عدم وجوده.
ويقول الروائي محمد المزيني "من المهم أن يضع النادي في حسبانه الجيل الجديد من الأدباء، خصوصا أن رئيسه الحالي واحد منهم بغية خلق ذائقة مختلفة من خلال طرق حديثة تتواكب مع روح العصر"، ملمحا إلى ما كان يعانيه أدبي الرياض من تاريخ مترهل بالخلافات القديمة على فترات متفرقة ما أقصى كثيرا من المبدعين وانزووا بعيدا ثم جاء آخرون أكاديميون أمسكوا بزمام أمور النادي بطريقة مدرسية قديمة ترى الأنشطة المنبرية وسيلة مثلى للنادي فوضعوا الإبداع في زاوية خاصة جدا لا يراها غيرهم فأقصوا فريقا كبيرا من الشباب ـ على حد تعبير المزيني ـ الذي لم يتردد في القول "إن النادي تبنى في الآونة الأخيرة طباعة الكثير من الأعمال كما استضاف الكتاب والشعراء وهذه جهود يشكر عليها".
وأثنى المزيني على دور الوشمي في الاضطلاع بمسؤولية مركبة تبدأ من حلحلة النظرة القديمة للنادي وتذويب الجليد بينه وبين المبدعين واجتذاب الشباب الذين لا يعرفون عن النادي سوى اسمه، وكثير منهم لا يستدل على موقع النادي إلا بشق الأنفس، مؤكدا أنه يجب الخروج من نمطية التفكير, وانتشاله من الأنشطة المنبرية إلى مناشط أخرى كورش العمل واجتذاب الفنون البصرية المتنوعة والفنون التي يتهافت عليها الشباب، وعلى النادي الخروج من مأزق وهم الأسماء، فالنادي ـ والحديث للمزيني ـ تقع على كاهله مسؤولية تبني المواهب الشابة لا المواهب الشائخة..
التركيز على الثقافات الأخرى
وحسب الإذاعية بالقسم الفرنسي بإذاعة الرياض نجاة الوحيشي فإن النادي يشهد حركة وأضحى أكثر تنوعا وتميزا، متمنية أن تعطى المرأة مجالا أكبر، وتتابع: مازال النادي كأنه يتكرم بدعوة المرأة وهناك أسماء متميزة والساحة تعج بالمثقفين. وألمحت الوحيشي إلى أن هناك سيطرة من الأكاديميين على قائمة ضيوف النادي بينما ينظر للمبدعين على أنهم درجة ثانية وقالت "من المهم التركيز على الثقافات الأخرى".
في الوقت الذي يؤيد فيه الناقد الفلسطيني سمير نحيلي استضافة الأكاديميين مبررا ذلك بقوله "حضور الأكاديمي وطرحه في النادي الأدبي يختلف عن حضوره في الجامعة، وفقرات النادي متنوعة وجميلة جدا". وركز نحيلي على أهمية استضافة الشباب في النادي. لافتا إلى أن الديكتاتورية في إدارة الجلسات ليست صحية.
من جانبه يقول الكاتب والقاص خالد اليوسف إن أدبي الرياض من أنشط الأندية لأنه في مدينة كبيرة تتعدد وتتنوع مصادر الحراك فيها والكل يبحث فيها عن جمهور يتناسب مع نشاطه، وحسب اليوسف فإن النادي استطاع أن يتفاعل مع كل ذوق ومشرب أدبي، مؤكدا أن العيب في الذين يطالبون بكل شيء وهم أبعد عن كل شيء، أي إنهم لا يحضرون ولا يتفاعلون ولا يساهمون ولا يبدون تعاوناً بالملاحظات الفاعلة، فقط يشتكون ويرغبون ويتمنون ويعارضون ويرفضون. وتابع اليوسف: النادي قدم أسابيع تم التخطيط لها كثيرا ومنها أيام عقدت مع السفارات، وأيام عقدت مع عدد من الجهات الحكومية، أي إن ما مضى كان جيدا بل ممتازا.
وتمنى اليوسف أن تعقد في الموسم المقبل أسابيع خاصة بالإبداع السعودي، مقترحا تخصيص أسبوع في كل شهر للقصة القصيرة وأسبوع للرواية وأسبوع للشعر وأسبوع للمسرح، ويتم توزيع هذا بجدولة تناسب كل فن، ذاهبا إلى أن هذه الأسابيع ستعزز الملتقيات والندوات الرسمية.
أما نورة الحمدان إحدى المتواصلات مع النادي فتقول "أحب النادي وأحضر فعالياته، لكنني أرى أن مشاركة الحاضرين ومداخلاتهم هي السائدة أخيرا، وبدأ المبدعون بالصمت وهذا لا أجد له تفسيرا، فتنحي كثير من المبدعين والأدباء فاجأني إلا أنه أحيانا يكون ظاهرة صحية لإعادة ترتيب الأفكار والتواصل المختلف مع المتلقي.
فيما يؤكد الروائي أحمد الدويحي أن هناك تحولا في النسق النخبوي حيث لم يعد إبداعيا وكأن ذلك تطبيق لخطة الوزارة في تحويل الأندية إلى مراكز ثقافية. ويواصل الدويحي متسائلا عن غياب أنشطة جماعتي السرد والشعر: الدكتور الربيع خلق للنادي ورشا، حينما بدأنا كان يحضر الأدباء والفنانون، وأكثر ما يؤلمني الآن أن جماعة السرد غير فاعلة وفقدت فضاءها السردي من خلال كتاب السرد أنفسهم، كنا نتمنى وجود حركة إبداعية مع الحركة النقدية الحالية، محذراً أن يتكرر للسرد ما حدث لحركة الحداثة الشعرية من انتكاسة واستلاب.
بينما يرى القاص خالد الخضري أن كثيرا من الأسماء المتكررة تحتاج إلى كثير من الغربلة. وانتقد الخضري جماعة السرد التي أسست في الدورة الجديدة للنادي قبل أربع سنوات، ولكنها لم تقم إلا أنشطة فيها مجاملة، مستدركا "كي يتم التواصل مع الجمهور يجب التفاعل مع ما يحتاجه ولا تقتصر الأنشطة الثقافية على نوعية معينة".
الانفتاح على المؤسسات الثقافية
وتساءل القاص الشاب عبدالله الغامدي عن عدم إقامة النادي أمسيات إبداعية منذ فترة وعدم تبنيه المواهب والإبداع الشاب قائلا "أصبح النادي يهتم بتكريم كبار السن وهو أمر مهم، لكن ليس على حساب إبداع الشباب وتكثيف الأسابيع التي طغت عليها البهرجة أكثر من تقديمها كفعل ثقافي وقضاء وقت ممتع بلا فائدة".
أما الكاتبة الشابة أماني السليمي فتقول "حضرت معظم الفعاليات التي جمعت ما بين الأدب والإصدارات وشتى الفنون، وهي فعاليات حطمت الحواجز والتصورات بأن النادي الأدبي لفن القصة والرواية والشعر فقط، فالوشمي أظهر أن النادي ليس هو العالم المحتكر للأدب الذي اعتدناه بل توجد فعاليات أشمل وأجمل كتطرقهم لفن السيناريو، واليوم اليمني السعودي الثقافي.
ويؤكد القاص هاني الحجي أن هناك تنوعا ملحوظا في الآونة الأخيرة من حيث الانفتاح على المؤسسات الثقافية الأخرى مثل التعاون بين المجلة العربية والنادي.
ويوضح رئيس النادي الدكتور عبدالله الوشمي الآلية التي يتبعها أدبي الرياض في أنشطته قائلا: يطرح النادي برامجه من خلال مجلس الإدارة، وتقر من هناك، ويتم وضع البرامج قبل تنفيذها بأشهر، خاصة في الأسابيع الثقافية، وجاءت مشاركة الجهات المتعددة في معرض الكتاب بعد مخاطبات لأكثر من شهرين، ونحن في النادي نهتم بتقديم المختلف والمتعدد من الأنشطة، والحضور الأدبي الثقافي هو العنصر الرئيس في الأنشطة، مؤكدا على التكامل الإيجابي بين المثقفين والإعلاميين.
ويضيف الوشمي: في برامجنا الماضية حققنا حضورا عربيا من خلال التغطية الإعلامية لقنوات عربية لأنشطة النادي كالعربية والـmbc ورويترز، وذلك لأول مرة في تاريخ النادي، فالأسابيع الأربعة الماضية شهدت أمسيات شعرية وروائية وتوقيع كتب ومعارض تشكيل وعرضة وتصويرا وأمسيات نقدية ومسابقات وحديثا لمثقفين ومفكرين سعوديين وعرب، وليس فيها تحيز لإطار ثقافي دون آخر، وهذه هي وظيفة النادي الأدبي من ناحية التنوع. ووجه الوشمي الدعوة لكل من يملك اقتراحا أو رؤية أو رغبة في تنظيم فعالية أو إدارتها أن يتواصل مع النادي، بحيث يتم تنفيذ ما يتاح منها، مشيرا إلى أن النادي أشرك أكثر من 34 مثقفا وأديبا في فعاليات الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، فضلا عن العدد الكبير من الفنانين المشاركين في المعرض التشكيلي، وأكثر من 25 جهة رسمية وأهلية في المعرض الخيري، كاشفا عن إعداد النادي برنامجه الصيفي الذي يتنوع بين الدورات والأسابيع المتعددة في مناح ثقافية وإبداعية متعددة، وصدور أجزاء من السلسلة التي كان للنادي إسهام في ترشيح المترجمين لصالح مشروع "كلمة" في الإمارات العربية المتحدة.
وقال الوشمي: سنحتفي قريبا بانتقال معرض الكتاب الخيري الذي ينظمه النادي إلى جامعات ومؤسسات خارج النادي.