ضربة فاشلة لمن ما زال يعتقد أنه معلم، أو لنقل لم يعد يواجه نفس الجمهورالخائف المرتعب الذي حشر في زاوية الدفاع عن النفس، لا يقوى على الحراك في أي اتجاه غير التماس العفو وتقبل الفتات بعدما أصبح تفكيره في شتات! ثم التماس العفو عن ماذا؟! عن عملية قام بها بعض المعتوهين في11 سبتمبرعملية واضح من التحقيقات أن جميع الثغرات لم تُعرض ولم توضح للعامة، عن معلومات لا يتقبلها العقل ولا المنطق ورفضها الكثير من محلليهم قبل أن نرفضها نحن، عن ثورة ذعر من كل من هو مسلم عربي وبالأخص سعودي؟!

إن قضية خالد الدوسري تقذف بأبنائنا المبتعثين هناك في عين العاصفة، نرسلهم للتزود بالعلم ليجدوا أنفسهم في قلب الاستهداف وخيوط التآمر والعنصرية! لمصلحة من يخرجون إلينا بتمثيلية جديدة؟ وفوق ذلك تمثيلية فاشلة أيضا، لنحلل السيناريو ولنر! طالبا في مقتبل العمرلم يتجاوز سنه العشرين عاما، لم نقرأ اسمه ضمن قائمة المتفوقين، أو يكرم ضمن الموهوبين، لم يقم حتى باختراع تركيبة جديدة للقضاء على الحشرات لكي يكون قادرا على اختراع تركيبة تفني بشرا، فجأة تمطر عليه السماء ذكاء عشرين عالم كيمياء مع رشة ملح من حيل جحا و"هبابة" (أي بقايا في قعر فنجال الشاي)، من علوم البحث الدقيق للمواقع الحساسة والهامة من منزل رئيس سابق إلى السدود!

لنركز على المعطيات وكلها حسب ما نشرته الصحف الأميركية من مراسلاته على البريد الإليكتروني لنفسه أو ما كتبه في مدونته:

• خلال أشهر قليلة تحول كاتب الشعر والغزل والمعجب بالممثلة الإيطالية "آنا فاللي" ومن ثم بالطالبة التي قابلها على أدراج ملعب كرة القدم (الأمريكية) بالجامعة، تحول إلى متحدث عن الكراهية والقتل!

• من معجب بالحياة الأميركية حيث قال في وصف رحلة قام بها مع بعض زملائه في معهد اللغة، "أعتقد أن "سلوام سبرنجز" تعكس العمل التطوعي الذي يشكل جزءا كبيرا من الثقافة الأميركية التي أحترمها تماما كما أنني معجب بها"، كما قال أيضا: "بالإضافة إلى ذلك، لم يكن جميع المتطوعين من المسيحيين، أو من العرق الأبيض أو الأسود، ... إلخ أي تحديدا لم يكونوا يتنتمون إلى عرق أو دين واحد"، نجد أنه فجأة تحول من معجب بتناغم وتعاون التعددية والاختلاف إلى كاره لدرجة أنه يفكر في قتلهم جميعا لا يهمه إن كان من بين الضحايا نساء وأطفال وعجائز أو حتى من المتطوعين الذين قابلهم قبل أشهر من تحوله المزعوم!

• من خلال متابعة كتاباته، نلاحظ أيضا أنه لا يوجد هناك أي إشارة معينة تفيدنا في معرفة لماذا تحولت هذه الكتابات فجأة من سلام، وما قد نسميه طيش شباب، إلى رسائل سياسية ودينية متطرفة ملطخة بالكراهية، ما الذي أثر فيه من فترة سبتمبر 2009 إلى مارس 2010، وحوله إلى ذلك الشاب المرعب الذي يريدوننا أن نراه؟!

• إن كان تحوله بسبب احتكاكه بالمتطرفين، فأين الأمن الداخلي الذي من المفترض أنه يراقب مرتادي المساجد من أفراد المجموعات التنظيمية المتطرفة، لم لم يظهر اسمه لديهم؟ ألا يمكن إذن أن يكون من حوّله، هذا على اعتبار أنه هو من كتب في المرحلة الثانية وليست معلومات دخيلة وضعت بفعل فاعل، ألا يمكن أن يكون شخص غير مسلم متطرف أو حتى عربي؟

• شاب بذكاء علماء الكيمياء، حسبما يريدوننا أن نصدق من خلال مقدرته على اختراع سلاح دمار شامل ووحده، يقوم بحركات تدل على غباء كامل! يرسل لنفسه رسائل بريديه تدينه في حال انكشف أمره، ولماذا يرسلها لنفسه أصلا؟!

• لا ننسى معرفته بالمواقع الهامة والحساسة، هذا إضافة لمعرفته بأسماء من عمل في سجن أبو غريب، ماذا؟! هل هو عميل مخابرات مدرب على كيفية البحث وكيف يتحصل على هذه النوعية من المعلومات، وفي غضون فترة بسيطة بعد التحول المفاجئ استطاع التحصل على كل ذلك! يا لطيف، كيف فاتنا أن حفيد رأفت الهجان كان يعيش بيننا!

• لو أنه تدرب، يجعلنا نشك في نوعية هذا التدريب المضحك! كمن يسير ويترك جبال من الأدلة تصرخ: أمسكوني...أمسكوني!

لن أزيد ولكن على ما أعتقد أن غيري ممن هم أخصائيون في الأدلة والجرائم من تلك النوعية قادرون على استنتاج الكثير غير ما لقطه إدراكي غيرالمدرب أو المختص في هذا المجال، المهم أن ما أريد أن ألفت النظر إليه هنا هو تصادف هذه الحادثة مع التغيرات الإيجابية التي جرت على الصورة النمطية السلبية للعالم الإسلامي والتي جاءت كنتاج للسلوك الراقي لشباب ثورتي تونس ومصر السلميتين، وخاصة شباب مصر، الذين بهروا العالم بتعاونهم مع إخوانهم المسيحيين في ساحة تحرير واحدة لوطن واحد، من حراسة تناوبية خلال الصلاة، إلى حملات تنظيف، إلى حماية الأحياء والمنشآت الوطنية، وهذا بالذات شكّل خطرا لحيوية وبقاء سلاح "الإسلامفوبيا"، ففكروا بطريقة جديدة يعيدون القطعان إلى مرعى الخوف!

ترى من هم؟ بالطبع ليس الشعب الأميركي، والذي أتمنى أن تكون غالبيته على علم الآن بمدى تأثرنا بمأساة 11 سبتمبر، ولن أردد ما قيل من قبل العقلاء والمفكرين من قبلنا أو من قبلهم حين تحدثوا عن هذه الكارثة، ولكن من أتحدث عنهم هنا هم من يملكون مصالح في إبقاء أخدود الكراهية والخوف مشتعلا، ولسوف يستمرون بقذفنا نحن والشعب الأميركي، بل كل من يرونه يمثل خطرا عليهم من الشعوب الأخرى، داخل هذا الأخدود حتى آخر فرد إن استلزم الأمر! وفي النهاية أقول إن كان خالد الدوسري مذنبا ولو بالشروع بالأمر فهذا لأنه بالتأكيد ليس ذكيا بما أنه سمح لنفسه أن يقع في مثل هذا الفخ، وإن كان بريئا، فكان الله في عونه ولقد رأينا عدالتهم في قضية حميدان التركي، وأتساءل خاصة وقد سقط القناع، ما هي خطواتنا التالية لحماية أبنائنا المبتعثين؟