حين انتقل علي سليمان العطية من عمله السابق ودعه زملاؤه وهم محزونون، ليحط رحاله في تربة خصبة استدعاه إليها وزير التعليم العالي، مشرفاً ثم نائباً له ومنحه مفاتيح العمل؛ فنشر إبداعه الذي لامس نجاحات الوزارة في عصرها الذهبي في منجز يحمل 33 جامعة و 400 كلية، و 114 ألف مبتعث. شارك زملاءه من فريق عمل الوزارة روح الفريقٍ الواحد ومنجزات وطن تستفيد منها أجيالنا ونهضتنا التنموية. جميع من عملوا معه لمسوا عطاءاته وحجم إنجازاته كإداري ناجح ومالي محنّك يعمل بصمت، تجده في مكتبه من السادسة صباحا، يستقبل مراجعيه بكل مواطنة، يميّزه حسن الخلق والأدب الجم، فتداول مواقفه الكثير لتصبح صدى في القلوب والعقول، ليجمعوا على إخلاص وتواضع رجل يعمل بصمت.
يقول مدير قسم الأمن في وزارة التعليم العالي سابقاً ماجد النويدر: "كان الدكتور علي العطية من أوائل من يتواجدون في الوزارة وكنا نراه كل يومٍ يسابق الصباح ليطل علينا من بوابة الوزارة بابتسامته المعهودة وتواضعه الجم، يسألنا اطمئناناً على أوضاعنا واحتياجاتنا في إدارة الأمن.. كان العون والعبرة معاً في وقفته الصادقة، فعندما وصله أن أحد مسؤولي الوزارة خالف النظام بالوقوف الخطأ وعندما أبلغه رجال الأمن تلفظ على إدارتهم بوصفه لها ولموظفيها بأنهم أصحاب مشاكل ولاقيمة لهم وأنهم مجرد(سيكوريتي)! ، فما أن وصل الخبر للدكتور علي العطية إلا وهو بعد نصف ساعة يستدعينا ويجعل المسؤول يعتذر منّا ويكتب تعهداً خطياً بعدم العودة إلى ذلك، فأعاد الحق لإدارتنا ولزملائي المحبطين حينها، وجعل ذلك درساً لكل من يعتقد أنه أعلى من الآخرين مرتبةً أو شهادة".
في عام 1978 م كانت أرامكو السعودية على موعدٍ مع التحاق نظمي النصر بها، فبدأ شاباً طموحاً، تدرج بثبات وتحديات إنجاز، عمل مديرا في عدة مشاريع، حتى قبل التحدي في قلب الصحراء وسبرأغوارها لتطفو على السطح بترولا. عمل المستحيل وأنجز مشروعاً من أضخم المشاريع في العالم بقياسية تسبق الزمان والمكان فسطراسمه علماً في فن الإدارة وعلى خريطة وطن، حتى عين نائبًا لرئيس شركة أرامكو، يقول النصر في حوار موسع في مجلة (القافلة): ينتابني أحيانا شعور بأن الناس قد ملوا الحديث عن مشروع (الشيبة).. لكن الدروس المستفادة من هذا المشروع كان لها من قوة التأثيرما يستعصي على النسيان. وسرد النصر أربعة أسس للنجاح في تجربته: الإيمان والشعور بأن الإنسان يتعلم يومياً بالبحث والتطوير المستمر، وأن حب العمل عشق والإبداع قمة المتعة في الحياة وإن تخللته أخطاء، والمسؤولية والأمانة ومحاسبة النفس باستمرار، وختمها بروح فريق العمل الواحد والعدل مع الجميع وكيفية التعامل مع ظروف العمل سواء بالسلب أو الإيجاب، حتى ختم قصته مع نجاح آخر ينثر ابتسامة عريضة لا تغرق في بحر جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية حيث المشروع الأعظم و ثورة مستقبل وطني في عالم المعرفة، ليتوج وطنه بعدة مشاريع هائلة تثبت أن الشعور بقيمة المواطنة لايمكن حصرها بامتلاك بطاقة أحوال سعودية!
أما خريج جامعة أسكس البريطانية في مجال الكيمياء الفيزيائية عبدالرحمن عبيد اليوبي وكيل جامعة الملك عبدالعزيز للشؤون التعليمية، فيبهرك ركضه وتواضعه بنزاهة المخلصين فى وقت شح فيه المخلصون. تدرج في عمله أستاذاً في الكيمياء ثم وكيلاً لكلية العلوم ثم عميداً، منحه مدير الجامعة الدكتور أسامه طيب مساحات يركض فيها بالإبداع المعطر بشذا الوفاء لوطنه وجامعته فتسنم وكالة الجامعة لثلاث فترات، مثل فيها المملكة في عدة وفود للجامعات العالمية وعضواً في عدة لجان على مستوى رفيع في التعليم العالي بمشاركات لم تنقطع في المؤتمرات والندوات العلمية واثني عشر بحثاً علمياً رسمها عطاءً واضحاً في مسيرة وطن وجامعة أصبحت في مقدمة جامعاتنا التي نفخر بها.
يقول عنه الموظف عمر الصاعدي: "عملت في مكتبه فكان حبه للإنجاز وتواضعه الجم ونزاهته وقودا محركا لي ولزملائي.. محب للخير دائماً، فقبل أيام جاءه طلاب على نظام الساعات لم يستلموا مكافآتهم من أشهر، فصرف لهم على الفور مستحقاتهم من ميزانية مكتب وكيل الجامعة.. إنه بحق شخصية وطنية منجزة بإخلاص".
تلك الهامات الوطنية مُنحت صلاحيات هي أهل لها فلم يغرها المنصب والأضواء فمثل أصحابها أرصدة لمستقبل وطن، صنعت رؤيةً للأجيال القادمة، وقدمت دروساً في الإنجاز بصمت لمن كان في أولى خطوات عمله، فأيامنا القادمة لن تكون إلا للمخلصين فقط، والإشادة بالكفاءات التى تبدع وتدير مشاريعنا وجامعاتنا ومؤسساتنا ومراكز بحثنا بكل اقتدار يجب أن تُعطى حقها من البروز كشواهد عصر يحتذى بها، وفي المقابل نجد هناك مستهترين أنانيين استباحوا الفساد ولكننا أسفاً لم نستطع إلى اليوم الإعلان عنهم، وكشف أسمائهم على رؤوس الأشهاد!