إذا كانت شرطة جنوب أفريقيا نجحت في القضاء على ظاهرة تزوير تذاكر المباريات، وإن كان الفضل يعود إلى نوعية الخامات التي صنعت منها التذاكر ووجود علامات يصعب تقليدها، فإن شرطة بلد المونديال لم تتمكن حتى الآن من مواجهة عدد من الجرائم الأخرى، وعلى رأسها جرائم بيع سلع كأس العالم المغشوشة، حيث ذكرت الشرطة هناك أنها ضبطت سلعاً مغشوشة تحمل علامات مزورة ذات صلة بالمونديال وتبلغ قيمتها نحو 14 مليون دولار في عدة حملات أمنية منذ مطلع العام الحالي.
ومقابل تحرك جنوب أفريقيا لمواجهة تلك الظاهرة الخطيرة بحكم استضافتها للمونديال، فإن هناك دولاً أخرى لم تحرك ساكناً في مواجهة توسع وانتشار ظاهرة استغلال العرس الكروي العالمي للتربح عبر ممارسات التزوير والغش.
وكشفت وسائل إعلام عالمية عما يحدث فى مدينة مثل أبيدجان عاصمة كوت ديفوار حيث تباع "الملابس المغشوشة التي تحمل شارات وعلامات ورموزا لمنتخب الأفيال – لقب منتخب كوت ديفوار - وفى مقدمتها الزي الرياضي للاعبين، بسعر زهيد لا يتجاوز الـ5 دولارات، علما بأن سعر الطقم الأصلي للزي الكامل يصل إلى 88 دولاراً فى مدن الغرب و75 دولاراً فى المدن الأفريقية مثل أبيدجان وجوهانسبرج وبريتوريا وغالبية العواصم الأفريقية.
ولأنها ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب والأبعاد فرضت على وسائل الإعلام طرح عدد من الأسئلة مثل "ألا توفر هذه السلع المقرصنة والمقلدة بل والمغشوشة الفرصة للفقراء ومحدودي الدخل ليبتهجوا بالمونديال، سواء البائع أو الشاري؟
ولكن على الجانب الآخر تحدثت وسائل الإعلام عن الأضرار المادية التي تتكبدها كبريات الشركات العالمية المتخصصة في مجال الأدوات الرياضية التي تتنافس فيما بينها بدفع مليارات الدولارات من أجل الترويج وبيع منتجاتها الأصلية، وترى هذه الشركات أن المونديال الذي يقام كل 4 أعوام فرصة هائلة لتعزيز مكانتها وزيادة أرباحها غير أن ظاهرة الغش التجاري والمنتجات المقرصنة تهدد أحلام وطموحات هذه الشركات وبيوت الأزياء.. وهي تتنافس على أرباح قد تزيد عن الخمسة مليارات دولار .
ولم يتوقف الأمر عند حد تقليد الأزياء الرياضية للاعبي منتخبات أفريقيا في المونديال، وإنما انتشرت ظاهرة بيع أزياء وأطقم ملبوسات لاعبي الأندية الأوروبية الشهيرة التى تحظى بشعبية وإعجاب لدى عشاق الساحرة المستديرة فى القارة السمراء مثل اللإيفواري دورجبا والكاميروني ايتو.
ففي ورش صغيرة بمدن أفريقية عدة من بينها أبيدجان ينهمك عمال صغار على مدى ساعات طويلة فى صنع أزياء مقلدة للاعبي الأندية الأوروبية الشهيرة، ويصل الخطأ حد الخطيئة عندما يضع منتجو هذه الأزياء العلامات الأصلية عليها ويصل التبجح ببعضهم إلى حد التأكيد أنها منتجات أصلية.
ودخل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" طرفاً أصيلاً في هذه القضية المعقدة ليرفع عشرات القضايا أمام المحاكم بشأن جرائم تزوير لمنتجات وسلع تحمل علامات المونديال من بينها أكثر من 100 قضية فى جنوب أفريقيا وحدها.
ومع ذلك ستجد أصواتا تتردد هنا وهناك بقوة مؤكدة أن على فيفا الاهتمام بقضايا أكثر خطورة وإلحاحاً مثل ظاهرة "مهربي كرة تحولت إلى دموع فى عيون أفريقيا" رغم الوعود الخلابة والكلمات المعسولة التى تتحدث عن مليارات الدولارات سيمطرها الشمال الغني على القارة السمراء بفضل كنوزها الكروية!.
ورويداً رويداً، تحول الضحايا من أطفال أفريقيا إلى وصمة عار على جبين الشمال الغني على حد وصف صحفيين أوروبيين تصدوا لفضح هذه الظاهرة مثل الصحفي كليف مايرى الذي سعى لتسليط أضواء كاشفة على "ظاهرة مهربي الكرة فى القارة العجوز" فيما لا يحرك فيفا ساكناً.
ويقول "إذا كان هناك عدد من الأفارقة يهيمون على وجوههم فى أوروبا كمهاجرين من أجل لقمة العيش فإن هناك الآن لاعبين أفارقة صغارا يعانون من أسوأ الظروف فى مدن أوروبا كضحايا لمهربي الكرة.
ويتبدى الجانب المظلم لعولمة الكرة في تلك الفئة التى تسمى "بمهربي الكرة" والتي تستغل أحلاماً مشروعة لصبية أفارقة موهوبين كروياً ويرغبون فى حياة أفضل بعيداً عن واقع بائس فتشحنهم إلى أوروبا وكثيراً ما يتخلى "مهربو الكرة" عن هؤلاء الصبية ليتركوهم وحدهم يعانون من ظروف بالغة القسوة بعيداً عن عائلاتهم التى حلمت بالثراء بفضل المواهب الكروية للأبناء.
ولأن الظاهرة باتت تثير قلق كل أصحاب الضمير الإنساني ووسائل الإعلام العالمية المعروفة بمعاييرها المهنية الراقية فإن التفاصيل المثيرة راحت تشق طريقها من أسوار السرية إلى فضاء العلانية لتبرهن على الدور الكبير للصحافة والإعلام فى التعرية النقدية وفضح كل ما يتنافى مع الحق كجوهر مأمول للعملية الإعلامية.
وتتصاعد المأساة مع تزايد عدد "مهربي الكرة" الذين يلوحون للعائلات الأفريقية الفقيرة بحلم الثراء بلا حدود بفضل المواهب الكروية للأبناء الذين سيلعبون في فرق أوروبية كبيرة غير أن هذه العائلات لابد أن تدفع لهؤلاء المهربين "رسوماً باهظة" مقابل أحلام قد لا تتحقق أبداً فيما تضطر العائلات الفقيرة للاستدانة أو بيع مصاغ الزوجات أو منازلها المتوارثة عن الآباء والأجداد والتي تؤويها.
لكن خبراء معنيين بهذه الظاهرة أبدوا شكوكاً عميقة فى إمكانية اقتلاعها تماما معتبرين أن كرة القدم تمثل الحلم العريض للثراء للأفارقة الذين يعانون من فقر مدقع فيما يواصل مهربو الكرة مداعبة هذا الحلم..وكم من الجرائم ترتكب أحيانا باسم الساحرة المستديرة!!.