أظن أن العقيدَ القذافي أُصيبَ بجنون العظمة (Megalomania) أو- ربما- جنون الهُذاء (Paranoia) وبحسب معرفتي المتواضعة، أقدم لكم تفسيراً نفسياً مختصراً.

كلمة "جنون" لفظ قانوني طبي يُستخدم عند التعامل مع مرضى ارتكبوا أفعالاً تخضع للقانون والتجريم. وكلمة "عظمة" تعني إحساس المريض بأنه يفوق كل من حوله. وتعني كلمة "هذاء" أفكار شاذة يعتقد المريض في صحتها، ويستحيل إقناعه ببطلانها.. ويعني "هُذاء العظمة": شعور المريض بأنه شخصية خارقة مميزة عن جميع الخلق، وتسانده في هذا "هلاوس" سمعية وبصرية، قد تجعله يعتقد بأنه نبي بُعث لهداية البشرية، أو أنه قائد عظيم، ومفكر ملهم، موكل إليه إنقاذ العالم وتخليصه من مشاكله.

حينما يقول علماءُ النفس: "جنون الهذاء" فإنهم يعنون مرضاً من فئة الذهان، مع أن المريض يحتفظ بقدر من الإمكانات العقلية لا تتدهور، ولا تصاب ذاكرته بالضعف، ولا يشك للحظة في أن تصرفاته غير سليمة، متخذاً من حديثه ومظهره الخارجي سنداً لقبوله عند الآخرين، وتبريراً لاختلافه وصدق معتقداته، إضافة إلى الإلحاح على المحيطين به لتصديقه ومؤازرته.

لا نستطيع تشخيص المريض على أنه مصابٌ بجنون الهذاء (بارانويا) إلا إذا كان الهذاء نمطاً لا حالة عارضة.. وتُعَد فئة جنون الهذاء قليلة بين المرضى العقليين، قد تزيد قليلاً عن 3% من نسبة نزلاء الأقسام العقلية في المصحات النفسية؛ ونسبة الشفاء بينهم قليلة.

ومن صفات المصابين بجنون الهذاء: عدم القدرة على الاحتفاظ بعلاقات شخصية عميقة وثابتة، حيث يعانون من التمركز حول الذات، مع نقص في النضج الوجداني، وتطرف في المشاعر يصاحبه سلوك غير منضبط أمام الآخرين يسهل معه استثارتهم، ولا يستطيعون التخلص من الحقد.

ولمعرفة الفرق بين "جنون العظمة" و"جنون الهذاء" فإنكم تستطيعون- من خبرتكم- القول بأن صدام حسين كان مصاباً بـ "جنون العظمة" ومعمر القذافي مصابٌ بـ "جنون الهذاء" مع تشابهٍ في بعض الأعراض.

ربما لم تكونوا بحاجة إلى ما كتبته أعلاه، بعد أن سمعتموه يقول: (أنا القائد الأممي.. أنا ملك ملوك إفريقيا.. أنا قائد ثورة الفاتح من سبتمبر.. أنا رئيس الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى.. أنا لست رئيساً ولا ملكاً.. أنا المجد.. أنا العزة.. هيا اسهروا وغنوا وارقصوا). قلتُ: اللهم من كان غير مسؤول عن تصرفاته شرعاً، فأسألك أن تشفيه وتغفر له.