في الأشهر القليلة الماضية، وبعد تطبيق مشروع ساهر في بعض مدن ومحافظات المملكة ناقشت وسائل الإعلام هذا المشروع، وتفاوتت وجهات النظر التي تم طرحها، ومناقشتها بين مؤيد، ومعارض، ومقترح، وكثير من الكُتّاب أشار إلى ساهر كنظام، والواقع أن ساهر ما هو إلا مشروع وظف التقنية الحديثة بهدف ضبط وتوثيق المخالفات المرورية بمختلف أنواعها حسب مراحل تطبيق هذا المشروع، ولا يمكن أن يطلق عليه نظام، لأنه وسيلة لتطبيق بعض جوانب النظام المروري فقط.
وبعد تطبيق ساهر في المدينة التي أسكنها أحسست بأن هناك فرقا واضحا في سلوكيات مستخدمي الطريق من قائدي السيارات، وانخفض مستوى التوتر العصبي الذي قد يعاني منه كثير من قائدي السيارات مما يراه من مخالفات، وأصبحت أصل إلى مقر عملي، وأعود إلى منزلي وأنا غير متوتر.
ونتيجة لساهر فقد تم الالتزام بأنظمة المرور، كما نتج عن ذلك انخفاض واضح في عدد الحوادث المرورية وما يترتب عليها، وأرى ضرورة تعميم هذا المشروع بشكل مكثف في جميع مناطق المملكة بعد الاستفادة من وجهات النظر، والمقترحات حول هذا المشروع، والتي تم طرحها في كثير من المقالات الصحفية، وتمت مناقشتها في البرامج الحوارية في وسائل الإعلام الأخرى.
وحقيقة الأمر أن ما حققه مشروع ساهر بعد تطبيقه من ضبط لسلوك الكثير من مستخدمي الطريق لم تحققه، الندوات، والمحاضرات، واللقاءات، والمعارض المتخصصة في مجالات المرور، كما لم تتم الاستفادة بالشكل المتوقع، والمطلوب من أسابيع المرور منذ بدايتها حتى الوقت الحاضر في توعية وضبط سلوكيات قائدي المركبات، وهنا على وجه التحديد لم تكن التوعية بمختلف أساليبها فاعلة ومؤثرة في تعديل وتصحيح كثير من السلوكيات المرورية الخاطئة التي نشاهدها في شوارعنا؛ لأن هذه الفعاليات كانت موسمية، وتفتقر للاستمرارية، أما مشروع ساهر فهو مستمر، وقد كان له تأثير مباشر حتى أصبح حديث المجالس بين مؤيد ومعارض، وهذا مؤشر إيجابي، ومن يحصل على قسيمة مخالفة، وتصله رسالة على هاتفه الجوال يتفادى حصوله على قسيمة أخرى.
وهناك مؤيدون ومعارضون لمشروع ساهر؛ فالمؤيدون هم الأغلبية، والمعارضون هم الأقلية من الذين لا يحترمون النظام، أو ممن تأثرت مصالحهم بتطبيق هذا المشروع مثل أصحاب الورش، وأصحاب قطع الغيار، وقبل ذلك المستشفيات الخاصة التي يتعالج فيها المصابون نتيجة للحوادث المرورية، والمستفيد الحقيقي هو المجتمع من مواطنين ومقيمين.
ولعله من المناسب مناقشة بعض الجوانب التي قد تسهم بدرجة كبيرة في تحقيق مشروع ساهر لأهدافه، وتجعله أكثر فعالية، فالجانب الأول هو ضرورة الاستمرار في الحملات التوعوية، والتعريفية، وتكثيفها لهذا المشروع، وتوضيح أن الهدف هو تطبيق النظام، وليس التحصيل كما يرى البعض. أما الجانب الآخر والأهم فيتمثل في التدرج في تطبيق العقوبات خاصة أن هناك إمكانية ضبطها إلكترونيا، فقد يكون من المناسب أن تكون الرسالة للمخالفة الأولى عبارة عن رسالة مضمونها "أنت خالفت للمرة الأولى، وهذا تنبيه لكم، وعليه نأمل الالتزام بالقواعد المرورية"، وعقوبة المخالفة الثانية تكون بمبلغ رمزي وليكن مئة ريال، وعقوبة المخالفة الثالثة مئة وخمسون، وعقوبة المخالفة الرابعة مئتان، وهكذا بدلا من أن تكون العقوبة للمخالفة الأولى ثلاثمئة ريال، وفي حالة عدم التسديد في الوقت المحدد تتم مضاعفتها، وما على ذلك من ملحوظات من الجوانب الشرعية، وهناك جانب آخر مهم وهو أن تعيد إدارات المرور النظر في السرعات المحددة على كثير من الشوارع والطرقات؛ حيث إن كثيراً من هذه السرعات المحددة لا تناسب بعض الشوارع وكثافة الحركة عليها، بل تم تحديدها على عجل قبل تطبيق مشروع ساهر بطريقة عشوائية، وبدون دراسة دقيقة ومتأنية -كما يبدو- ونتيجة لذلك قد تكون هذه السرعات المحددة عائقا للحركة في حين بالإمكان أن تكون السرعة المسموح بها أعلى من ذلك، والعكس صحيح، وهنا أرى أن يتم تحديد السرعات من قبل بعض المؤسسات المتخصصة في هندسة المرور بعد دراسة هذه الطرق ومتغيراتها، وكثافة الحركة التي تشهدها في فترات زمنية مختلفة.
كما أن البنية الفوقية، والتحتية الضرورية لشوارعنا من إشارات مرورية، ولوحات إرشادية، وممرات، وخطوط المشاة، وغيرها في كثير من شوارعنا بحاجة إلى تأسيس صحيح، وصيانة بشكل دوري ومستمر، ويمكن تخصيص نسبة معينة من دخل مشروع ساهر لتحقيق ذلك، وبدايات مشروع ساهر إيجابية إلى حد مقبول، ولكنها بحاجة إلى تكثيف بحيث تشمل جميع الشوارع الرئيسة، والإشارات المرورية بدلا من التركيز على شوارع، وإشارات معينة؛ لأن المخالفات المرورية تتم في جميع الأماكن، آمل أن تعم الفائدة المرجوة من هذا المشروع، ويحقق أهدافه، وتسلم الأرواح، والممتلكات.