تمثل فترة الاختبارات الدراسية، موعدا لتصفية الحسابات، بين بعض الطلاب ومعلميهم، أو إداريي مدارسهم، نتيجة مواقف سابقة تعرض لها هؤلاء، لم يتم فيها التفـهـّـم لأوضاعهم النفسية أو الاجتماعية، حسب اعتقادهم، مما يجعلهم يعبرون عن حالة الإحباط تلك، بالانتقام من أولئك المعلمين أو الإداريين، عن طريق إتلاف سياراتهم، أو بعض ممتلكاتهم، مع نهاية الاختبارات، خصوصا إذا كان أداء الطلبة فيها ضعيفا، أو اعتقدوا أن هنالك صعوبة مقصودة في الأسئلة من قبل من وضعها، مما يحتم حدوث ردة فعل انتقامية، تقود لـ"شغب" فردي، أو جماعي، ولو كان محدودا، إلا أن له آثارا سلبية، لن تنحصر في من قام بالعمل، بل تطال بضررها مجموعة أوسع من الطلاب والمعلمين!.

حالة إحباط

أعاد عدد من التربويين أسباب "العنف" الذي يتعرض له بعض المعلمين أو الإداريين، من قبل بعض الطلاب، لـ"حالة الإحباط، التي يعيشها هؤلاء الطلاب، نتيجة عدم التفهـّم لأوضاعهم النفسية والاجتماعية، مما يجعلهم يلجؤون للتعبير عن ذواتهم من خلال العنف". وفي جولة لـ"الوطن" على عدد من الطلاب، نفى نحو 92 طالبا من المرحلة الثانوية بمدينة "الجبيل" الصناعية، أن يكون الطالب هو المبتدئ بالاعتداء على ممتلكات بعض المعلمين، "دون تعرضه لموقف سلبي من المعلم". في حين اتفق 105 آخرون، على أن اعتداءات الطلاب تحدث نتيجة "ردة فعل لمواقف سلبية، من المعلمين تجاههم".

رئيس قسم علم النفس التربوي، بـ"جامعة الملك خالد" في أبها، الدكتور ظافر آل حماد، أرجع أسباب ذلك العنف لـ"سوء معاملة أولئك المعلمين والإداريين للطلاب، بشكل أو بآخر. مع الأخذ في الاعتبار، أن بعض أولئك الطلاب ربما يأتي من بيئة تفتقد قيم الحوار والتربية الأسرية المستقرة، ويتصفون بكثير من السلبيات"، مضيفا "لكن كل ذلك، لا يعفي المدرسة من المسؤولية، بتاتا"، خصوصا أن "بعض الإداريين لا يدرك أن التربية والتعليم رحمة ورفق وأبوّة، بل يتعامل بأسلوب عمل الشركات، وكأنه في مجمع صناعي، وكأنه يتعامل مع آلات لا تعقل ولا تعي، وليس لها أي مشاركات انفعالية. متجاهلا أن بناء الثقة بين أي مجموعة من البشر في أي مكان من العالم، قادر على خلق مساحة من التفاهم، والتقدير الذي من شأنه حل الخلافات أيا كانت".

قسوة الإداريين

هذا "الجمود الإداري في التعامل"، الذي ينتقده الدكتور آل حماد، يرى له آثارا سلبية في تغذية "العنف"، حيث يعتقد أن " هؤلاء الإداريين يخطئون كثيرا في التعامل بالشدة والقسوة، حتى لو كانت نظامية، فهم لا يرون المستقبل. فالأهداف التربوية تبنى على خطط بعيدة المدى. فعندما تكون أهدافنا صغيرة جدا، إلى حدود أرجلنا، فإننا نفقد السيطرة على انفعالاتنا، ونفقد التدبر والعقلانية، والتأمل في أبعاد ونتائج أساليب تعاملنا مع الطلاب". وحول ما يتذرع به البعض من أن هذه "النماذج السلبية من الطلاب، تفتقد كثيرا من أساليب التعامل اللبق والمحترم، لذا فهي تحتاج للشدة في التعامل معها"، وهو المنطق الذي يرفضه آل حماد، معتبرا أن "الطلاب بعامة، لم يأتوا إلى المدرسة إلا ليتربوا ويتعلموا، على أيدينا نحن التربويين، ونعلم سلفا أن بعضهم أتى بسلوكيات سلبية كثيرة، تستدعي منا جهدا كبيرا، ولم نكن في المدارس إلا للإصلاح والتربية والتغيير الإيجابي، فالتوجيه والإرشاد والتغيير، والتطوير الإيجابي، من أهم أهداف المدرسة باعتبارها مؤسسة تربوية".

أخطاء غير مقصودة

آل حماد، يقف في صف "الطلاب"، ليس لأنه ضد "المعلمين"، ولكن لأنه يرى أن "أكثر أخطاء الطلبة غير مقصودة، وتعود لطبيعة خصائص نمو المرحلة العمرية لهم. وتتضح حقيقة تلك الأخطاء من خلال الحوار الذي يجب أن يكون سيد الموقف دائما، وبخاصة من قبل المرشد الطلابي، الذي عليه مسؤولية كبيرة في هذا الأمر، لأنه مختص في تشخيص هذه المشكلات، والتعامل معها، وعلاجها، فهو حلقة الوصل الأهم بين الطالب والإدارة والمنزل، والطالب وذاته أيضا".

مستودع للطاقة

المرشد النفسي بوحدة الخدمات الإرشادية، بإدارة التعليم بالمنطقة الشرقية، أسعد النمر، يرى أن "الطالب يلجأ للاعتداء، عندما يتراكم الإحباط بدرجات مختلفة، كتجاهل المعلم، أو الإدارة للطالب، أو إهانته. وخاصة إذا تكررت هذه الإهانة وأمام زملائه. فطالب المرحلة الثانوية في طور المراهقة، وطور الشباب، والطاقة العنفوانية، وعبارة عن مستودع للطاقة العدوانية، التي تتسبب فيها عدة عوامل، أهمها العامل الفسيولوجي، والذي يتحكم فيه هرمون الذكورة وهرمون الطاقة، وكذلك التنشئة الأسرية غير التربوية المعتمدة على العنف".

النمر يؤكد في حديثه لـ"الوطن"، على أن "العنف يخلق دائما بيئة قامعة، لا تسمح بالتعبير عن الذات، ولا تسمح بالتعبير عن الرأي، كما لا تسمح بالتعبير عن المشاعر. وهذا الواقع يؤدي إلى تراكم الإحباط، وبالتالي إعطاء فرصة أكبر للعنف والعنف المضاد".

ولتفادي هذا "العنف"، والتقليل منه، يؤكد النمر على ضرورة أن "تقدم المدرسة روح النظام على نصه، في التعامل مع المخالفين. فهذا الأمر يعزز العلاقة الإنسانية بين الطالب المخالف وإدارته ومعلميه"، رائيا أن "الحوار هو أساس التعامل بين أي مجموعة من البشر، والمدرسة أهم بيئة يجب أن تتبنى الحوار أساسا لحل الخلافات بها، فالحوار في بعض من المدارس عادة تكون هناك جهة متسلطة (المعلم أو الإدارة)، وجهة خاضعة (الطالب)، وهنا علاقة غير متكافئة. والحوار مع الطلاب يجب أن يكون مبنيا على التكافؤ في الإنسانية، واختيار المفردات الموجهة للطلاب بعناية".

تدخل علاجي

هذا السلوك العنفي، الذي ينفجر بين حين وآخر، وتتعزز مخاوفه في فترة "الاختبارات"، يتصور المرشد الطلابي سعيد سعد بن ذيبة، أنه يأتي من طلاب "مرضى نفسيا"، وبالتالي فإن من يمارسه "يحتاج لتدخل علاجي، لأنه يعاني من ضعف مهارة تعامل المعلم معه، أو فقدان التقدير، وعدم وجود الوعي الكافي بقيمة المعلم، وغياب الكفاءة والمهارة الإدارية التي تتلمس حاجات الطلاب وإشباعها، إضافة إلى عدم وجود البرامج الموجهة لإبراز مكانة المعلم، وتقدير الطالب، وكذلك المنهج المدرسي الذي يجب أن يهتم بالمعلم وقيمته، وعدم استثمار طاقات الطلاب بالشكل المناسب من قبل المدرسة والمجتمع والأسرة والدولة".

بن ذيبة يرجع أسباب عنف الطلاب تجاه معلميهم، إلى"خلل في التربية الأسرية، حيال احترام الآخر، مهما كان بمن فيهم المعلم. وسيطرة الثقافة القبليـّة الممقوتة، حيال أي إجراء قانوني وإداري، في الوقت الذي تغيـّب تماما قيم التربية في إطار تعامل الأسرة، إضافة إلى محاولة الطالب إثبات ذاته أمام أقرانه، أو شعوره بالنقص ومحاولة لفت الانتباه، أو التقليد والمحاكاة، أو الانتقام من المعلم نتيجة الشعور بالظلم والإحباط الناتج عن إهانة سابقة، وربما تعاطي المخدرات، إضافة إلى الإهمال الأسري".

طرق علاجية

وفي سبيل حل المشكلة، يقترح المرشد سعيد بن ذيبة، أن "تنظيم برامج تستهدف تطوير فن التعامل التربوي داخل الأسرة، باعتبارها بذرة المجتمع. وكذلك بين الطلاب فيما بينهم ومع معلميهم، وتعزيز العيادات النفسية في المستشفيات والمدارس، وتنظيم دورات تعريفية لها في المدارس، وضرورة تحويل الطلاب المشكلين للعيادات النفسية لعلاجهم مبكرا، وإعادة هيكلة اختيار الإداريين بالمدارس، بحيث يراعى اختيار الخبرة والتخصص النفسي والاجتماعي، وتعزيزهم بالدورات الفنية الخاصة بالتعامل مع الطلاب".

تجربة ناجحة

التصرفات السلبية التي يشتكي منها عدد من المدرسين أو المرشدين الطلابيين مع الطلبة، لم يعان منها مدير ثانوية "أم القرى" بالهيئة الملكية في "الجبيل"، غانم الشهراني، الذي يعمل في إدارة المرحلة الثانوية منذ 15 عاما، يقول عنها "لم أتعرض لأي نوع من المضايقة، أو الاعتداء، أو العنف المضاد من الطلاب، بل بالعكس، يأتي من يفاجئني في مكتبي بالسلام عليّ ولا أعرفه، لأكتشف أنه أحد طلابي السابقين، ممن كانت لديهم سلوكيات غير مرغوب فيها، وكان أسلوب تعامل إدارة المدرسة معه سببا في حلها، وتغيير مسار حياته للأفضل". ويضيف الشهراني "إن التعامل مع الطالب لا بد أن يكون بحكمة تامة، تنبع من إدراك الدور الحقيقي للمدرسة، باعتبارها مؤسسة تربوية أولا"، مشددا على "ضرورة شرح اللوائح للطلاب، وفهم حالاتهم الاجتماعية والنفسية والمزاجية، وخصائص نموهم المرحلي، لكي نستطيع التعامل معهم بكل أريحية وسلاسة، دون حدوث أية مشاكل. فتعزيز ثقة الطالب بنفسه من خلال احترامه وتقدير شخصيته، ومنحه الفرصة الكاملة للتعبير عن ذاته وآرائه، عن طريق الحوار المتوازن، وإشعاره بكرامته، كل تلك عوامل تساعد على السيطرة على سلوكه، بل ومعالجة مخالفاته بالطرائق التربوية".

خلل في المدرسة

احتقان بعض الطلاب، واندفاعهم للتخريب أو الاعتداء في فترة الاختبارات، هو أمر يحصل بسبب "خلل في المدرسة" في أحيان كثيرة، بحسب رأي عدد من المعلمين ممن التقتهم "الوطن"، وبسبب "تحدي المدرس لطلابه، ومحاولته فرض شخصيته عبر أسئلة صعبة"، وكل ذلك يؤدي إلى أن"يشعر الطالب بأن هذا المعلم يعيق مسيرته، ويؤخر فرصة حصوله على مقعد جامعي، مع محدودية المقاعد"، وهذا ما يسبب المشكلات. من هنا، فإن جود مدرسة في أي منطقة تعاني من مشاكل سلوكية مع الطلاب، يستوجب إدراك الجميع أن هناك "خللا في إدارة المدرسة بالدرجة الأولى، ومعلميها، وأسلوب تعاملهم مع الطلاب".

غياب العقوبة

عبد الله عطيف، وكيل مدرسة "الخليج" بمدينة "الجبيل"، الصناعية، يحكي لـ"الوطن"، قصة ما حدث له من اعتداء، قائلا "تعرضت سيارتي لعطب إطاراتها العام الماضي، من طلاب اتخذت المدرسة بحقهم إجراء نظاميا نتيجة مخالفاتهم السلوكية. ومع ذلك فاللوائح المنظمة للعمل التربوي داخل المدرسة، لم تتضمن أي عقوبة للطالب الذي يتسبب في الإضرار بممتلكات المعلمين، نتيجة تطبيق النظام بحقه"، معتبرا أن "مدارسنا تعاني من ثغرة نظامية كبيرة، بين الطالب والمعلم. فكثير من الطلاب يأتون للمدرسة بقيم تخالف ما تعلـّـمه المعلم أكاديميا، في التعامل مع الطالب. كما أن مدير المدرسة يعتبر شخصية محببة لدى الطلاب لأنهم لا يتعاملون معه إلا في مناسبات التكريم والمواقف الإيجابية، في حين يواجه وكيل المدرسة كافة مشاكل الطلاب، ويتعامل معها وفق لوائح ضعيفة الأثر والتأثير، وعديمة جدوى التغيير، أو التقويم لكثير من السلوكيات السلبية الصادرة من الطلاب، مما يجعله يتعرض للضرر الأكبر من الطلاب سيئي السلوك". وذلك كله برأي عطيف "يستدعي إعادة النظر في لوائح تقويم سلوك الطالب".

رجمٌ بالقوارير!

حادثة أخرى، بين عشرات الحوادث، تعرض لها وكيل مدرسة "الدفي" الثانوية بالهيئة الملكية بـ"الجبيل" الصناعية، خالد الحربي، حيث تعرض لمضايقات أثناء قيادته للسيارة، فقد رمى بعض الطلبة "المشاغبين" قوارير المياه عليه، هو وأبنائه، أثناء عودته لبيته، كما شوهوا سيارته بـ"بخاخ ملوّن"، أثناء وقوفها في مرآب منزله. ويعترف الحربي أنه "نظامي في تطبيق اللوائح على الطلاب سيئي السلوك". كما أنه يدخل معهم في حوار مفاده "إثبات الخطأ بلغة النظام". ويعلل الحربي ما يقوم به هؤلاء الطلاب المخالفين بمبدأ، "من أمن العقوبة أساء الأدب"، كاشفا عن أنه "قدم مشروعا للهيئة الملكية، يستهدف حماية القيم التربوية، من مخالفات سيئي السلوك من الطلاب، في المرحلتين المتوسطة والثانوية".

إعطابٌ للعجلات

لم تكن سيارة الحربي وحدها من تعرضت للضرر، فجابر القحطاني، المرشد الطلابي بمدرسة "أم القرى" الثانوية، هو الآخر تعرضت سيارته العام الماضي لإعطاب دواليبها، موضحا "لقد عرفت الفاعلين، ولكن ليس لدي نص في اللائحة يعطيني حقي، على الرغممن أنه تم ذلك أثناء ساعات العمل المدرسي". القحطاني، وبعد هذه الحادثة خفـّـف حدة أسلوب تعامله مع الطلاب بعامة، وانعكس ذلك إيجابيا على علاقته مع الطلاب والمعلمين، والإدارة أيضا. الأمر الذي جعله يدعو إلى "التفهم وعدم تطبيق نصوص النظام من المخالفات الأولى، وتقديم روح النظام وقيم المجتمع على نص النظام، في التعامل مع الطلاب"، معتبرا أن ذلك هو "الحل الحقيقي". مطالبا في ذات الوقت بـ"إصدار لائحة جديدة لتقويم الطالب، تكون أكثر صرامة، تحفظ للطالب والمعلم حقهما، وتقر بواجباتهما، وفق القيم الإسلامية العالمية، والإنسانية".