رواتب المعلمات، أين تصرف؟ هذا الأمر مسكوت عنه غالبا إلا ما تتهامس به المعلمات فيما بينهن غضبا واستياء. هناك متهمون كثر بالسطو على راتب المعلمة المغلوبة على أمرها كالزوج والأب ومصروف البيت الذي قد يتخلى عنه الزوج ويلقي به على زوجته المعلمة، لكن هناك جهة أخرى لم يتم التطرق لها أو الحديث عنها، وهي المدرسة. كثير من المديرات يستنزفن رواتب معلماتهن بجمع المبالغ الطائلة بحجة أو بأخرى فمرة لعمل حفل بمناسبة يوم الشجرة أو أسبوع المرور.. إلى آخره من المناسبات والأيام التي لا تنتهي، ومرة لوضع ستائر لغرفة المعلمات ومرة أخرى لتزيين المدرسة وأخرى لشراء طابعة كبيرة لتصوير الاختبارات وأخرى لشراء ثلاجة وغير ذلك الكثير، والويل كل الويل لمن تعترض أو ترفض المساهمة، لأن المديرة ستأخذ منها موقفا معاديا مما يؤدي بالطبع إلى انحدار تقييمها الوظيفي وحرمانها من كثير من المزايا، ويزداد الأمر سوءا عندما تكون المعلمة مدرسة للمرحلة الابتدائية حيث يطلب منها أن تشجع طالباتها يوميا عن طريق الهدايا والحلويات والمحفزات واللوحات الإيضاحية والترفيهية وتفاضل المديرة بين معلماتها على هذا الأساس فالمعلمة التي تغرق طالباتها بالهدايا هي الأثيرة لديها، ولا يحق للمعلمات أن يسألن المديرة عن ميزانية المدرسة وهل هن المعنيات بتوفير الهدايا والألعاب للطالبات أم هي الوزارة، وما فائدة رواتبهن التي ينفقنها على الطالبات؟ لأن هذا الأمر قد تجاوز المعقول في مدارس البنات تحديدا.
بشكل عام.. يقال إن نجاح التعليم متوقف على نجاح المعلمين وتميزهم، وهذه حقيقة، لكن هذه المقولة لا تعني أبدا أن يستنزف المعلم أو المعلمة إلى آخر قطرة بحجة أنه يجب أن يتفانى لخدمة التعليم، بل تعني أن يكرم المعلم فلا يضطر إلى ممارسة مهنة أخرى بعد الظهر، لأن راتبه لا يكفيه، ولا يدخل إلى الفصل وهو يفكر في فاتورة الكهرباء أو أقساط السيارة، ولا أن تتجاهل أحاسيسه فيطلب منه أن يحنو على أطفال الآخرين وقد شرد أطفاله في مكان بعيد عنه. نجاح التعليم وحيويته لا يعني توظيف معلمين ومعلمات من الشباب بكل وعيهم وثقتهم بأنفسهم ويوضع عليهم مدير متخلف تراكم على عقله غبار التقليدية والتعصب والرجعية فلا يسمع إلا نفسه ولا يفهم إلا لغة التعاميم حتى تمنى لو أن هناك تعميما يمنع التنفس في أوقات الدوام، ثم يعطى كامل الصلاحيات لقمع هؤلاء الشباب ومصادرة أفكارهم التنويرية وتقييدهم، بالتوجيهات دون تردد، ثم نبكي بعد ذلك على تراجع التعليم، وننسب التأخر إلى هؤلاء الشباب المقيدين، ولا أن نعطي المعلم راتبه باليد اليمنى لنستعيد نصفه باليد اليسرى عن طريق بعض الجلادين من المدراء والمديرات مستخدمين صلاحياتهم التي قد لا يكونون أهلا لها.