لقد أفزعتني معلومات أحد التقارير الإحصائية عن نمو العمالة الأجنبية في دول الخليج عام 2025م حيث أوضح التقرير أن متطلبات التنمية حسب خطط التنمية في دول الخليج سوف تدفع بزيادة نسب نمو أعداد العمالة الأجنبية الوافدة لأسواق دول الخليج إلى نسبة تصل إلى 76% من إجمالي القوى العاملة في الأسواق الخليجية. وستصل نسبة العمالة الأجنبية في دول الخليج في عام 2025م إلى 24 مليون عامل أي 46% من إجمالي عدد السكان في دول الخليج الذي يتوقع أن يصل إلى 54 مليون نسمة في العام نفسه.

في الوقت الذي يقدر عدد سكان دول الخليج في عام 2010م بحوالي 38 مليون نسمة ووصل حجم القوى العاملة إلى 41% تمثل القوى العاملة الأجنبية فيها 71%.

مؤشرات خطيرة ومستقبل مُظلم للعمالة الخليجية وخطورة متوقعة على الاقتصاد الخليجي من حيث تأثيرات التحويلات النقدية للعمالة الأجنبية من الأسواق الخليجية وأثرها على السيولة النقدية في المصارف والأسواق الخليجية. ورغم أنني مع فتح الأسواق للعمالة العربية وإعطاء الأولوية لتشغيل العمالة العربية إلا أنني حريص كل الحرص على إتاحة الفرصة للعمالة المواطنة الخليجية وإعطائها الأولوية في التشغيل وهو نظام دولي يتيح للدول إعطاء الأولوية لعمالتها المواطنة وهو أمر طبيعي تفرضه ظروف التشغيل والبطالة في كل دولة ، ففي الوقت الذي ترتفع فيه نسب البطالة المواطنة في دول الخليج ترتفع أمامها نسب نمو العمالة الأجنبية ورغم الجهود الكبيرة التي تُبذل من قبل دول الخليج إلا أنها في الحقيقة لم تحقق الطموح في معالجة البطالة التي أخذت تنمو مؤخراً وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول الخليجية التي تبذل جهودا كبيرة في معالجة البطالة ويأتي على رأس هذه الجهود دور صندوق تنمية الموارد البشرية والذي نحتفل هذا العام بمرور عشر سنوات على إنشائه مضت منها سبع سنوات في مرحلة التجارب وبدأ إنجازه الحقيقي في السنوات الثلاث الأخيرة. فالصندوق أنشأته الدولة بهدف دعم وتأهيل وتدريب الشباب السعودي للعمل في القطاع الخاص ومولت إيراداته لتغطية ميزانياته من الرسوم التي يدفعها جميع أبناء الوطن عند استقدام أية عمالة أجنبية ومن غيرها من الرسوم التي يدفعها المواطنون وهي مبالغ ضخمة جداً وصلت إلى حوالي سبعة عشر بليون ريال. وهي أموال يدفعها المواطنون متطلعين أن يحقق لهم الصندوق تطلعاتهم في تشغيل العمالة السعودية بجميع الوسائل سواء كانت تأهيلية أو تدريبية أوالمساهمة في دفع جزء من مرتبات العمالة لفترة زمنية محدودة. ورغم النجاح المحدود بجهود القائمين على الصندوق وعلى وجه الخصوص مديره العام الأستاذ أحمد المنصور الزامل أحد الكفاءات المتميزة ذات الخبرة الطويلة في مجال العمل. إلا أن الموضوع الرئيسي في وجهة نظري هو في السياسات والخطط والبرامج الموضوعة لعمل الصندوق وهي التي قلصت الإنفاق وحددت الأنشطة في برامج لم تحقق الأهداف، حيث لم يستطع الصندوق أن يخصص أكثر من 7% من أرصدته في نشاطه السنوي في عام 2010م ولم يستطع الصندوق أن يحقق نجاحا في تشغيل العمالة في الشركات والمؤسسات السعودية حيث لم تتجاوز عقوده نسبة 1% من عدد السجلات التجارية المسجلة في وزارة التجارة ومعظم العقود مركزة في المدن الرئيسية حيث تتمركز الشركات الكبيرة ، وهمشت المناطق والمدن الصغيرة بأدوار بسيطة جدا.

إن القضية في وجهة نظري تتمثل في محورين أساسيين الأول التدريب والتأهيل والثاني في مستوى الأجور والامتيازات المساندة له. في مجال التدريب والتأهيل استطاع الصندوق أن يخطو خطوات إيجابية بالإمكان تطويرها، أما مستويات الأجور فما زالت متدنية في شريحة عريضة من الوظائف ويصعب منافسة العمالة الأجبنية وعلى وجه الخصوص الآسيوية والتي تتمركز في وظائف لم يستطع السعوديون دخولها وهي فئة الخمسمائة ريال إلى الألف وخمسمائة ريال. وبمتابعة سرعة الدوران الوظيفي للعمالة السعودية نجد أن النسبة تصل إلى أكثر من 50% وهي نسبة عالية وأسبابها عدم توفر الأجور المناسبة وعدم توفر الأجواء الإنتاجية والأمان الوظيفي، وهذا يدفعني اليوم لطرح بعض الأفكار لسياسات الصندوق المستقبلية التي قد تساهم في زيادة نسب التوظيف في القطاع الخاص ومنها تدخل الصندوق بشكل مباشر في رفع سقف الأجور عن طريق الدعم المباشر لشريحة وظائف تتمركز فيها العمالة الأجنبية مثل وظائف الباعة ووظائف المهن والسكرتارية وخدمات الضيافة وغيرها من الوظائف ، على أن يكون الدعم مباشرة للموظفين السعوديين حيث يدفع صاحب العمل الجزء الخاص به والصندوق الجزء الأكبر وذلك من خلال اتفاقيات لفترة زمنية حتى يتم تشجيع السعوديين لممارسة هذه الوظائف ويتقبل أصحاب الأعمال العمالة السعودية.

أما اقتراحي الثاني ويتعلق بتخفيض سرعة الدوران الوظيفي هو فكرة تمويل الصندوق لبناء مساكن للعمالة السعودية على جميع طبقاتها ضمن برنامج إقراضي طويل المدى يستفيد منه فقط العاملون في القطاع الخاص شريطة التزامهم بالعمل لمدة القروض وقد يكون من الأجدى تنفيذ هذا البرنامج من خلال هيئة الإسكان لحساب موظفي القطاع الخاص وبشروط الصندوق. وأخيراً اقتراحي الخاص بتمويل الصندوق للشباب السعودي الراغب في العمل لحسابه الخاص حيث إن العمل للحساب الخاص إحدى سياسات تخفيض البطالة وخلق فرص عمل ثم تخفيض نسب الفقر. فالصندوق لديه المليارات المُجمدة أو المستثمرة بعوائد مالية بسيطة آمنة لا تحقق ولا تساهم في التنمية التشغيلية ، علماً بأن موارد الصندوق مضمونة ومتزايدة سنوياً وهي أموال المواطنين يدفعونها كرسوم ويتطلعون إلى خدمات مقابلها. ويبقى السؤال أخيراً هل حقق صندوق تنمية الموارد البشرية أهدافه بعد عشر سنوات من إنشائه.؟