أسعدني ذلك الإصدار الذي قامت به وزارة الزراعة بإصداره كموسوعة وثائقية حول أصناف التمور المشهورة في بلادنا ، بعد أن حققنا اكتفاء ذاتياً من الكميات المنتجة . والكتاب إعلامي مصور ومزود بالمعلومات الأساسية عن القيمة الغذائية للتمور ومكانة النخلة في موروثنا ، فمنها الغذاء ومنها الوعاء ومنها البناء والوقود ومصدر الدفء في الشتاء والسلعة التي تتم بها المقايضة ، إنها الشجرة المباركة قال تعالى ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلي واشربي وقرَّي عينا ... ) وتروي الموسوعة ولع الشعراء وهيامهم بالنخلة فوصفوها بكل جميل وحسن يقول النمر بن تولب : كأن فروعهن بكل ريح عذارى بالذوائب ينتصينا ومن دقيق الوصف المتقن للتمر الجيد ما ذكر أن صعصة وصف أجود التمر أمام معاوية رضي الله عنه فقال :

(ما دق نواه ورق سحاؤه وعظم لحاؤه والريح تنفجه والشمس تنضجه والبرد يدمجه) ولنضج التمر ومراحله أسماء فأوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ، وقد أوردت الموسوعة أصناف التمور في المملكة فبلغت 237 صنفاً . ولا أظن أن هناك شاعراً عربياً إلا ما ندر لم يقف أمام النخلة ويستنطقها سواء من شعراء العصور السابقة أو اللاحقة حيث هي واقع حي وصورة يستولدون منها الكثير من التوريات والتشبيهات وحميمية البوح الذاتي يقول شوقي: أرى شجراً في السماء احتجب وشق العنان بمرأى عجب . طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب . ويقول السياب : عيناك غابتا نخيل ساعة السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر . ويقول محمد الثبيتي (رحمه الله ) : أصادق الشوارع والرمل والمزارع أصادق النخيل أصادق المدينة والبحر والسفينة والشاطئ الجميل . ويقول عبدالله الصيخان : كلما ذعذعت هبوب قلت في ريحها مطر فتسامقت نخلة فذوى العذق وانكسر . ويقول جاسم الصحيح في قصيدته الأحساء : تبقين ملء خواطر الآناء زهو النخيل على جبين الماء . أهواك ما انتصبت نخيلك هيبة تجتاح بالتمر الأبي دمائي . ويقول عبدالله باهيثم : يا ابنتي مذ أضعتك عند السفوح البعيدة ما عدت أكذب إلا قليلا ! ما عدت أحلم أني أغنيك شعراً جميلا . ما عاد يشهق عن دهشة نزق الطفل في أفق عينيك منذ همى عنباً ونخيلا . ويقول إبراهيم الوافي : امتلأنا بأحزاننا فتعالي ونامي يداً فوق صدري . ازرعي نخلة في جبيني المخبأ في هسهسات المعاطف ثم اجمعيني شظايا ليس لي منك إلا انبلاج النوايا . إنهم يستبطنون عبق هذا الكائن الفاتن وجوهره من خلال وعيهم التاريخي وتعلقهم بالنخلة ودورها الضمني والإيحائي على مستوى الدلالة وما تمثله من مساحة ما بين الواقعي والمتخيل .