في القرآن جملة لطيفة: كلا إنها كلمة هو قائلها
وهناك جملة أخرى تقوم بعملية تحليل نفسي عميقة وقاسية في الكذب.
نحن نعرف أن الكذب هو على الآخرين، في نقل الحقيقة مغلوطة على نحو متعمد، القرآن يقول في سورة الأنعام لا... هناك ضرب جديد من الكذب فيكذب الإنسان على نفسه.
انظر كيف كذبوا على أنفسهم؟
هنا يتعجب الإنسان فيسأل هل يمكن أن يكذب الإنسان على نفسه؟
تقول القصة إن أشعب عرف بالحمق ولكن الصبيان أزعجوه في يوم فكانوا أشد من سرب بعوض يحوم حوله، فقال لهم يا أطفال هناك وليمة في الحارة الغربية.
صاح الأطفال بصوت واحد هلموا إلى الوليمة وافرنقعوا عنه.
وارتاح أشعب هنيهة من الوقت، ولكن عبث الأطفال لم يتوقف فهاجمته هذه المرة بالضحك عليه عصابة من الأطفال الشاردين بأشد من غمامة ذباب، قال في نفسه لقد نجحت في صرف العصابة الأولى فلماذا لا أنجح مع الثانية.
صاح بهم يا صبيان هناك وليمة فاخرة في الحي الغربي، هذه المرة سال لعابه هو بالذات حين أضاف: وليمة فاخرة.
انصرفت مجموعة الأطفال الجديدة عنه..
فكر أشعب في نفسه قليلا: يا أشعب وما يدريك أنه يوجد فعلا وليمة فاخرة دسمة عامرة بالطعام في الحي الغربي؟
لم ينتظر أشعب فيراجع نفسه فكذب على نفسه بعد أن كذب على الأطفال، فما كان منه إلا أن جمع عليه ثيابه وانتعل حذاءه ثم هرول باتجاه الحي الغربي، وهو يسأل المارة أين العزيمة الفاخرة والوليمة الدسمة؟ كل هذه المقدمة حتى أذكر القارئ بتصريحات ثلاثة من شخصيات سياسية قيادية بأنهم لن يرشحوا أنفسهم لانتخابات الرئاسة القادمة، والكلام في ظاهره حكمة ولكن هل هم صادقون فيما يقولون؟ لو أن أيام الانتخابات جاءت ففعلوا ما يعدون؟ إن ذاكرة الشعوب قصيرة أليس كذلك؟ وهناك احتمال أن تستمر الشعوب في متابعة حياتها المعتادة بعد موجة الغليان!.
نفس القذافي الليبي أطلق تصريحات يقول بها للمرة الأولى بعد حكم دخل عقده الخامس.
والسؤال هل فعلا هم جادون صادقون؟ ثم لماذا لم يقولوا هذا القول قبل غليان الأوضاع في بلادهم؟
هذا يقودني للحقيقة الوجودية التي يقصها علينا القرآن في الحديث الذي دار بين أبينا آدم والشيطان؟ فالشيطان قام بإغراء قوي لأبينا آدم، ولكن ما هي طبيعة الأغراء الذي تقدم به؟ ثم ما هي الأشياء المغرية لنا فعلا؟ وما هي أعظم مخاوفنا؟ إننا كما نرى أمام الجدل الإنساني الأساسي في رؤية جذور أعظم المشاكل؟
المحرك الأول في حياة البشر هو: الخوف من الموت، ولأن طاقة الحياة هائلة فيتمسك بها البشر بالنواجذ والأسنان، ومنه ومن هذا التعلق بالحياة، والخوف من الموت، يمسك الجبارون بحياة الشعوب، تحت خوف الجماهير من قتلهم على يد طاغية مجنون، كما قرأنا في التاريخ عن نيرون النموذج الصارخ.. وهو نموذج يكرره حمقى كثيرون، في ظن أحمق، أنهم استثناء على قانون التاريخ والله يقول لم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق.
عرض الشيطان على أبينا آدم شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا من الشجرة فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورقة الجنة. وعصى آدم ربه فغوى.
هذا هو الدافع لكل رئيس بعد أن يطيب ويدفأ الكرسي تحته؛ فيقول هو الخلود، حتى تأتيه صدمة التاريخ فيقول هل إلى مرد من سبيل.