"أقسم بالله أني أحن عليكم مثلما أحن على نفسي" عبدالله بن عبدالعزيز. عاد خادم الحرمين الشريفين بعد غياب أقلق محبيه المواطنين، في رحلته العلاجية التي تكللت بحمد الله بالنجاح، إذ لم تخفق القلوب فرحاً ولم تقر الأعين إلا حين رأته يلوح بيده مبتسماً خارج المستشفى في نيويورك، وارتقب المواطنون عودته لثلاثة أشهر إلى أن وصل أمس الأول سالماً معافى.
والكثير يدركون أن الملك عبدالله يمتلك (كاريزما) خاصة، جعلت منه إنساناً محبوباً؛ حيث لا يمكن أن يجبر الإنسان على حب إنسان آخر مهما يكن، فالمحبة الصادقة تدوم رغم كل الظروف وتغيرات الزمن، وهنا لنا أن نتساءل: ما سرّ هذا الحب الذي يحظى به الملك عبدالله بن عبدالعزيز يا ترى؟
ويبدو أن اتفاق السعوديين على محبة واحترام هذا الإنسان النبيل، ناتج عن رؤيتهم للأمل فيه، فقد أرسى قواعد جديدة من خلال خطابه الوطني الذي تبناه، نتيجته أنْ وضع السعوديون مجمل اختلافاتهم في جهة واحدة هي المحبة الصادقة له؛ فغالباً ما ترتبط الشعوب عاطفياً بقادة لديهم مثل هذه الكاريزما، ولكن الفرق يكمن بالاستمرارية، فالشعوب تحب من يحبها ويكنّ لها التقدير والاحترام ويحفظ لها كرامتها في المقام الأول، والملك عبدالله أحب السعوديين فأحبوه لإخلاصه وقربه منهم، ولأن عهده الزاهر متميز بالتركيز على احتياجات المواطن المعنوية والمادية، فأصبح المواطن يعبّر عن هواجسه إزاء نقص هذه الاحتياجات الإنسانية: الحرية، قبول الاختلاف، حقوق الإنسان، توفير العيش الكريم، تطور التعليم، الانفتاح الإعلامي... ولا يكاد يخلو خطاب ملكي من ذكر هذه المفردات التي تتوق إليها الأفراد والشعوب في كل زمان ومكان.
لقد عمل الملك عبدالله على تلمس حاجاتنا، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أصبحت أفضل، ولا نشك أبداً في أنه يعمل من أجل تحقيق قفزة تجديدية تصنع علاقة متوازنة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولا سيما أن الإصلاح الحقيقي والزمن وجهان لعملة واحدة، إذ هما عاملان مهمان، في عالم يتقدم سريعاً دون أن يحوي مكاناً للضعف والتخلف والجهل والتزمت، فنحن نعيش اليوم في زمن الانفتاح، لم يعد الانغلاق على الذات مجدياً، ولذلك رأى الملك ما لم يره المتزمتون والمنغلقون في كل المشروعات التنموية التي أقرها، وكان المستفيد منها أولاً وأخيراً هو الإنسان في هذا الوطن، فما الذي يريده الإنسان عموماً ليكون من وطنه؟
من أبسط الحاجات الضرورية أن يحصل المواطن على مبدأ (تكافؤ الفرص) ليتوفر له العمل المناسب، والمأوى، وسبل العيش الكريم، وأن يكون آمناً في حريته وأفكاره وتطلعاته؛ ولذلك سعى الملك عبدالله ـ حفظه الله ـ في كل القرارات والأوامر الملكية الصادرة خلال السنوات الماضية إلى التأكيد على هذه الأمور كقضايا مفصلية تهم السعوديين في كافة فئاتهم وتوجهاتهم، فتحقق للمواطن السعودي دعم واضح في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، غير أن القضية الرئيسية هي الاستمرارية فيما يؤسس له خادم الحرمين الشريفين من أعمال تصب في مستقبل البلد، وأن صيانتنا لها تبدأ من إرساء الدعائم الأساسية للمساواة وحقوق الإنسان، فالتاريخ سيحفظ للملك عبدالله مواقفه المشرّفة التي بقيت في قلوب المواطنين وعقولهم، إذ يستشعرون أنه يحمل همومهم وآمالهم، في كل المستجدات التي تحدث، ولا سيما أن المرحلة التي تولى فيها الملك عبدالله الحكم اتسمت بالأحداث المتسارعة والمتشابكة، غير أن كل ذلك لم يثنه عن الهم الداخلي للبلد، وقد رأينا قضايا كثيرة لا تنتهي إلا إذا تدخل فيها شخصياً، فهذا الإنسان فيض من العطاء ولا يوازي عطاءه إلا محبة المواطنين له.. حفظك الله يا خادم الحرمين الشريفين "وما أخصك في برء بتهنئة ... إذا سلمت فكل الناس قد سلموا".